بيان : قال الفيروزآبادىُّ : شجت العروق والأغصان : اشتبكت . وقال : نكأ القرحة كمنع : قشرها قبل أن تبرأ فنديت . انتهى . والمفائض في بعض النسخ بالفاء أي مجاري من فاض الماء ، وفي بعضها بالغين من غاض الماء غيضاً ، أي نضب (١) وذهب في الأرض والمغيض : المكان الّذي يغيض فيه . و « إلى » في قوله : إلى ما في تركيب بمعنى « مع » . وقال الفيروزآباديُّ : الغضروف كلُّ عظم رخو يؤكل ، وهو مارن الأنف ، (٢) وبعض الكتف ، ورؤوس الأضلاع ، ورهابة الصدر ، وداخل فوق الاُذن . انتهى . وقوله : تتزايد ولا تنقص أي النسبة بين الأعضاء . وبلوغ الأشدّ وهو القوّة أن يكتهل ويستوفي السنّ الّذي يستحكم فيها قوَّته وعقله وتميزه .
انظر الآن يا مفضّل إلى هذه الحواسّ الّتي خصَّ بها الإنسان في خلقه وشرِّف بها على غيره ، كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء ، ولم تجعل في الأعضاء الّتي تحتهنَّ كاليدين والرجلين فتعرضها الآفات ، و تصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعلّلها ويؤثّر فيها وينقص منها ، ولا في الأعضاء الّتي وسط البدن كالبطن والظهر فيعسر تقلّبها واطّلاعها نحو الأشياء ، فلمّا لم يكن لها في شيء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ ، وهو بمنزلة الصومعة لها ؛ فجعل الحواسّ خمساً تلقي خمساً لكي لا يفوتها شيءٌ من المحسوسات ، فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها لم يكن منفعة فيها ، وخلق السمع ليدرك الأصوات فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها لم يكن فيها إرب (٣) وكذلك سائر الحواسّ ، ثمَّ هذا يرجع متكافئاً ، فلو كان بصر ولم يكن ألوان لما كان للبصر معنىً ، ولو كان سمع ولم يكن أصوات لم يكن للسمع موضع ، فانظر كيف قدّر بعضها يلقي بعضاً فجعل لكلّ حاسّة محسوساً يعمل فيه ، ولكلّ محسوس حاسّةً تدركه ، و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواسّ والمحسوسات ، لا يتمُّ الحواسُّ إلّا بها ، كمثل الضياء والهواء فإنّه لو لم يكن ضياءٌ يظهر اللّون للبصر لم يكن البصر يدرك اللّون ،
________________________
(١) أي جرى وسال . غار في الارض .
(٢) أي طرف الانف ، أوما لان من طرفه .
(٣) الارب : الحاجة .