إلى المعدة فتطبخه ، وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أنَّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثمَّ إنَّ الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دماً ، وينفذ إلى البدن كلّه في مجاري مهيّأة لذلك ، بمنزلة المجاري الّتي تهيّؤ للماء حتّى يطرد في الأرض كلّها ، و ينفذ ما يخرج منه من الخبث والفضول إلى مفائض قد اُعدَّت لذلك ، فما كان منه من جنس المرَّة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلّة والرطوبة جرى إلى المثانة ، فتأمَّل حكمة التدبير في تركيب البدن ، و وضع هذه الأعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول ، لئلّا تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، وله الحمد كما هو أهله ومستحقّه .
قال المفضّل : فقلت : صف نشؤ (١) الأبدان ونموّها حالاً بعد حال حتّى تبلغ التمام والكمال . فقال عليهالسلام :
أوَّل ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ولا تناله يد ، ويدبّره حتّى يخرج سويّاً مستوفياً جميع ما فيه قوامه وصلاحه من الأحشاء والجواح والعوامل إلى ما في تركيب أعضائه من العظام واللّحم والشحم والمخّ والعصب والعروق والغضاريف ، فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمي بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لا تتزايد ولا تنقص إلى أن يبلغ أشدَّه إن مدَّ في عمره أو يستوفي مدَّته قبل ذلك ، هل هذا إلّا من لطيف التدبير والحكمة ؟ .
يا مفضّل انظر إلى ما خصَّ به الإنسان في خلقه تشريفاً وتفضيلاً على البهائم ، فإنّه خلق ينتصب قائماً ويستوي جالساً ، ليستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ، ويمكنه العلاج والعمل بهما فلو كان مكبوباً على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئاً من الأعمال .
________________________
(١) بالنون المفتوحة والشين الساكنة ثم الهمزة . أو بالنون والشين المضمومتين والواو الساكنة ثم الهمزة .