بيان : قال الفيروزآباديُّ : الجرجس بالكسر : البعوض الصغار . انتهى . فالمراد أنّ الجرجس أصغر من سائر أصناف البعوض ليوافق أوَّل الكلام وكلام أهل اللّغة ، على أنّه يحتمل أن يكون الحصر في الأوَّل إضافيّاً كما أنَّ الظاهر أنَّه لا بدَّ من تخصيصه بالطيور إذ قد يحسُّ من الحيوانات ما هو أصغر من البعوض إلّا أن يقال : يمكن أن يكون للبعوض أنواع صغار لا يكون شيءٌ من الحيوانات أصغر منها . والولغ هنا بالغين المعجمة وفي الكافي بالمهملة ، وهما غير مذكورين فيما عندنا من كتب اللّغة ، والظاهر أنَّه أيضاً صنف من البعوض ، والغرض بيان كمال قدرته تعالى فإنَّ القدرة في خلق الأشياء الصغار أكثر وأظهر منها في الكبار كما هو المعروف بين الصنّاع من المخلوقين (١) فتبارك الله أحسن الخالقين .
٢٠ ـ يد : الدقّاق ، عن الكلينيّ بإسناده رفع الحديث : أنَّ ابن أبي العوجاء حين كلّمه أبو عبد الله عليهالسلام عاد إليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : كأنّك جئت تعيد بعض ما كنّا فيه ؟ فقال : أردت ذاك يا ابن رسول الله ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أنّي ابن رسول الله ! فقال : العادة
________________________
* بخرطومه المسام التي يخرج منها العرق ، لانها أرق بشرة من جلد الانسان فاذا وجدها وضع خرطومه فيها ، وفيه من الشره أن يمص الدم إلى أن ينشق ويموت ، او إلى أن يعجز عن الطيران فيكون ذلك سبب هلاكه ، ومن عجيب أمره أنه ربما قتل البعير وغيره من ذوات الاربع فيبقى طريحا في الصحراء فتجتمع السباع حوله ، والطير التي تاكل الجيف ، فمن أكل منها شيئا مات لوقته . قال وهب بن منبه لما أرسل الله تعالى البعوض على النمرود اجتمع منه في عسكره ما لا يحصى عدداً فلما عاين النمرود ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته ، وأغلق الابواب وأرخى الستور ونام على قفاه مفكراً ، فدخلت بعوضة في أنفه وصعدت إلى دماغه فعذب بها أربعين يوما ، حتى أنه كان يضرب برأسه الارض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقطت منه كالفرخ وهي تقول : كذلك يسلط الله رسله على من يشاء من عباده ، ثم هلك حينئذ . وقد أودع الله في مقدم دماغها قوة الحفظ ، وفي وسطه قوة الفكر وفي مؤخره قوة الذكر ، وخلق لها حاسة البصر ، وحاسة اللمس ، وحاسة الشم ، وخلق لها منفذاً للغذاء ، ومخرجاً للفضلة ، وخلق لها جوفاً وأمعاءاً وعظاما ، فسبحان من قدر فهدى ، ولم يخلق شيئا من المخلوقات سدى . قاله الدميري في كتابه حياة الحيوان .
(١) هذا بحسب الدقة واللطف وكانه عليه السلام في هذا المقام ، وأما بحسب القدرة فالامر بالعكس من جهة توفيق الذرات وتوديع القوى العظيمة الهائلة ، قال تعالى : لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . المؤمن : ٥٧ . ط