فأمّا البراهين : فالأوَّل أنّه لمّا ثبت كون الوجود عين حقيقة الواجب فلو تعدّد لكان امتياز كلٌّ منهما عن الآخر بأمر خارج عن الذات فيكونان محتاجين في تشخّصهما إلى أمر خارج ، وكلُّ محتاج ممكن .
والثاني : أنّه لو تعدّد الواجب لذاته فإمّا أن يكون امتياز كلّ منهما عن الآخر بذاته فيكون مفهوم واجب الوجود محمولاً عليهما بالحمل العرضيّ ، والعارض معلول للمعروض فيرجع إلى كون كلّ منهما علّةً لوجوب وجوده وقد ثبت بطلانه . وإمّا أن يكون ذلك الامتياز بالأمر الزائد على ذاتهما وهو أفحش ، فإنّه إمّا أن يكون معلولاً لماهيّتهما أو لغيرهما ، وعلى الأوّل إن اتّحد ماهيّتهما كان التعيّن مشتركاً وهذا خلف ، وإن تعدّدت الماهيّة كان كلّ منهما شيئاً عرض له وجوب الوجود أعني الوجود المتأكّد للواجب ، وقد تبيّن بدلائل عينيّة الوجود بطلانه ، وعلى الثاني يلزم الاحتياج إلى الغير والإمكان ؛ وبالجملة لو كان الواجب متعدّداً لكان نسبة الوجوب إليهما نسبة العوارض فكان ممكناً لا واجباً .
الثالث : أنّه لو كان لله سبحانه شريك لكان المجموع الواجبين وجود غير وجود الآحاد ، سواء كان ذلك الوجود عين مجموع الوجودين ، أو أمراً زائداً عليه ، ولكان هذا الوجود محتاجاً إلى وجود الأجزاء ، والمحتاج إلى الغير ممكن محتاج إلى مؤثّر و المؤثّر في الشيء يجب أن يكون مؤثّراً في واحد من أجزائه ، وإلّا لم يكن مؤثّراً في ذلك الشيء ، وقد ادّعوا لضرورة فيه ، ولا يمكن التأثير فيما نحن فيه في شيء من الأجزاء لكون كلّ من الجزئين واجباً ، فالشريك يستلزم التأثير فيما لا يمكن التأثير فيه ، أو إمكان ما فرض وجوبه إلى غير ذلك من المفاسد .
الرابع :
برهان التمانع وأظهر تقريراته أنَّ وجوب الوجود يستلزم القدرة و القوَّة على جميع الممكنات قوَّة كاملة بحيث يقدر على إيجاده ودفع ما يضادّه مطلقاً
، وعدم القدرة على هذا الوجه نقص ، والنقص عليه تعالى محال ضرورة بدليل إجماع العقلاء عليه ، ومن المحال عادةً إجماعهم على نظريّ ، ولئن لم يكن ضروريّاً فنظريّ
ظاهر متّسق الطريق ، واضح الدليل ، واستحالة إجماعهم على نظريّ لا يكون كذلك أظهر ؛ فنقول