بيان : الزرقة في العين معروفة ، وقد تطلق على العمى ، ويقال : زرقت عينه نحوي : انقلبت وظهر بياضها (١) فعلى الأوّل : لعل المراد بيان شؤمتها فإنَّ العرب تتشأّم بزرقة العين أو قبح منظرها وعلى الثاني ظاهر ، وعلى الثالث كناية عن شدّة الغضب ، و الأوّل أظهر . وويح : كلمة ترحُّم وتوجُّع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقّها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجّب (٢) . وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع .
يا هشام إنَّ ضوء الجسد في عينه فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كلّه ، و إنَّ ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربّه ، وإذا كان عالماً بربّه أبصر دينه ، وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلّا بالنفس الحيَّة فكذلك لا يقوم الدين إلّا بالنيَّة الصادقة ، ولا تثبت النيَّة الصادقة إلّا بالعقل .
يا هشام إنَّ الزرع ينبت في السهل ، ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار لأنَّ الله جعل التواضع آلة العقل ، و جعل التكبّر من آلة الجهل ، ألم تعلم أنَّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ؟ ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه ؟ فكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ، ومن تواضع لله رفعه .
بيان : السهل : الأرض الليّنة الّتي تقبل الزرع ، والصفا جمع صفاة : وهي الحجر الصلب الّذي لاينبت . وتعمر بفتح التاء والميم أي تعيش طويلاً ، أو بضمّ الميم أي تجعل القلب معموراً ، وبضمّ التاء وفتح الميم أي تصير الحكمة في القلب معمورةً . وشمخ أي طال وعلا . وشجَّ رأسه أي كسره . والخفض : ضدّ الرفع ، وأكنَّه أي ستره وحفظه عن الحرّ والبرد .
يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغنى (٣) وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من
________________________
(١) وقد يطلق على شدة العداوة . يقال : عدو أزرق : شديد العداوة ، وذلك أنّ زرقة العيون غالبة في الروم والديلم ، وكانت بينهم وبين العرب عداوة شديدة فسموا كل عدو بذلك .
(٢) وقيل : انها تأتي ايضاً بمعنى ويل . تقول : ويح لزيد وويحاً لزيد وويحه .
(٣) المراد بالفقر إما الفقر المعنوي ، أي ما أقبح للرجل أن تكون له فضائل نفسية وخلق كريمة ، أو عقائد حقة وملة مرضية ثم يتركها ويستخلف منها الخصال المذمومة والاخلاق الرذيلة او العقائد الباطلة فيكون مآل أمره إلى الخسران ومرجعه إلى الفناء ، أو المراد منه الفقر المادي أي ما أقبح للرجل أن يكون ذاثروة ومال ، ثم يترفها ويسرفها ويصرفها في ما لا يصلح به دنياه ولا يثاب به في عقباه ، فيصير فقيراً ويصبح إلى أقرانه محتاجاً .