يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه إذا شاهده ، و يأكله (١) إذا غاب عنه ، إن اُعطي حسده وإن ابتلى خذله ، وإنَّ أسرع الخير ثواباً البرّ ، وأسرع الشرّ عقوبةً البغي ، وإنَّ شرّ عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلّا حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك مالا يعنيه .
بيان : الإطراء : مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه . وخذله أي ترك نصرته . والبغي : التعدّي والاستطالة والظلم وكلُّ مجاوزة عن الحدّ . وقوله : من تكره إمّا بفتح التاء للخطاب ، أو بالضمّ على البناء للمفعول . وقال الفيروزآباديّ : كبّه : قلّبه وصرعه كأكبّه . وقال الجوهريّ : كبّه لوجهه أي صرعه فأكبّ هو على وجهه . وهذا من النوادر . وقال الجزريّ : وفي الحديث : وهل يكبُّ الناس على مناخرهم في النار إلّا حصائد ألسنتهم أي ما يقطعونه من الكلام الّذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيهاً بما يحصد من الزرع ، وتشبيهاً للّسان وما يقطعه من القول بحدّ المنحل (٢) الّذي يحصد به . وقال : يقال هذا أمر لا يعنيني أي لا يشغلني ولا يهمّني ، ومنه الحديث : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي لايهمّه .
يا هشام لا يكون الرجل مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو .
يا هشام قال الله جلَّ وعزَّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني ، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا جعلت الغنى في نفسه ، وهمّه في آخرته وكففت عليه ضيعته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .
بيان : قوله تعالى : في مكاني أي في منزلتي ودرجة رفعتي . قوله : وكففت عليه ضيعته . يقال : كففته عنه أي صرَّفته ودفعته . والضيعة : الضياع والفساد ، وما هو في
________________________
(١) أي يغتابه ويذكره بما فيه من السوء .
(٢) بكسر الميم وسكون النون وفتح الجيم : آلة من حديد عكفاء يقضب بها الزرع ونحوه .