( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ ) (١) بالغوا في الأَيمانِ وحَلَفوا بأَغْلَظِها. وقالَ الكلبيُّ : إِذا حَلَفَ الرَّجُلُ باللهِ فهو جَهْدَ يَمينِهِ (٢). ونُصِبَ « جَهْدَ » على المصدرِ ، أَي أَقسَمُوا إِقسامَ جَهْدٍ ، أَو على الحالِ على تقرير : وأَقْسَمُوا بِاللهِ يَجهَدونَ جَهْدَ أَيْمانِهم ، فحُذِفَ الفعلُ وأُقيمَ المصدرُ مقامَهُ ، ولا عِبرةَ بِتعريفِهِ لفظاً ؛ لأَنَّهُ مؤَوَّلٌ بنكرةٍ ، أي مُجتهِدينَ.
( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٣) أَي جاهَدُوا الشَّيطانَ والنَّفْسَ الأَمَّارةَ وأَعداءَ الدِّينِ في حقِّنا ومن أَجلِ رِضانا خالصاً لنَهْدِيَنَّهم سُبُلَ السَّيرِ إِلينا والوصولَ إِلى جنابِنا ، أَو سُبُلَ الخيرِ بإِعطائِهِم مزيدَ الأَلطافِ.
أَو الذين جاهَدُوا فيما عَلِمُوا لنَهدِيَنَّهم إِلى ما لم يَعْلَموا ، وهو قريبٌ من قولِ الحكيم : إِنَّ النَظَرَ في المقدِّماتِ يُعِدُّ النَّفْسَ لقبولِ الفَيْضِ ؛ وهو النَّتيجةُ من واهِبِ الصُّوَرِ الجسمانيَّةِ والعقليَّةِ.
( جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) (٤) الكُفَّارَ بالسَّيفِ ، والمنافقينَ بالحُجَّةِ.
( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَ ) جِهادِهِ (٥) أَي جاهِدُوا من أَجلِهِ حَقَ الجِهادِ فيه ، أَو حَقَ جهادِكُم فيه ـ والإِضافةُ لأَدنى ملابسةٍ ؛ من حيثُ إِنَ الجهادَ فِعلٌ لوجهِهِ ـ وهو أَمرٌ بالغَزْوِ ، أَو بمجاهَدَةِ الهوى والنَّفْسِ ـ وهو الجِهادُ الأَكبَرُ ـ أَو بالمجاهَدَةِ في جميعِ أَعمالِ الطاعاتِ.
و « حَقُ الجِهادِ » أَن يكونَ بنيَّةٍ صادقَةٍ ، وعن ابنِ عبَّاسٍ : لا تَخافُوا في اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ (٦).
الأثر
( أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ المُقِلِّ ) (٧)
__________________
(١) النّور : ٥٣ ، فاطر : ٤٢.
(٢) انظر تفسير البغوي ٢ : ١٢٢.
(٣) العنكبوت : ٦٩.
(٤) التّوبة : ٧٣.
(٥) الحج : ٧٨.
(٦) انظر فتح القدير ١ : ٣٦٨.
(٧) النّهاية ١ : ٣٢٠ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٢.