لا يلوي عُنُقَهُ يمنةً ويسرَةً إذا نَظَرَ إلى الشّيءِ كما يَفْعَلُ الطّائشُ الخفيفُ ، بل كان يُقبِلُ جميعاً ويُدبِرُ جميعاً.
( إذا حَدَّثَ الرجلُ ثم التَفَتَ (١) فهي أمانَةٌ ) (٢) أي إذا حدَّثك الرَّجل حَديثاً ثمّ التَفَتَ يميناً وشمالاً ينظر هل سَمِعَ حديثَهُ غيرُك حَذَراً من انتشارهِ ، فإنّ حديثه عندك أمانةٌ لا يجوز إذاعته وإفشاؤُهُ.
( يَلْفِتُ الكلامَ كما تَلْفِتُ البقرةُ الخَلَى بِلِسانِها ) (٣) أي غير مُبال بما يقوله كما تَفعَلُ البقرةُ بالحشيش إذا أكلته.
المصطلح
الالتِفاتُ : يُطلقُ على ثلاثة معانٍ :
أحدها : التّعبيرُ عن معنىً بطريق من الطّرق الثّلاثةِ الّتي هي التّكلّمُ والخطابُ والغيبةُ بعد التّعبير عنه بطريقٍ آخرَ ، هذا قول الجمهور. وقال السّكّاكيّ : هو إمّا ذلك أو أن يكون مقتضى الظّاهر التّعبير بطريقٍ منها فعُدِلَ إلى الآخَر (٤).
الثّاني : تعقيبُ الكلام بِجملةٍ مستقلَّةٍ ملاقيةٍ له في المعنى على طريق المَثَل أو الدّعاء أو نحوهما ، كما في قوله تعالى : ( وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) (٥).
الثّالث : أن تَذكُرَ معنىً فَيُتَوَهَّمُ أنّ السّامع اختَلَجَهُ شيءٌ فَتَلْتَفِتُ إلى كلام يزيل اختلاجه ثمّ ترجع إلى مقصودكِ ؛ كقولِ ابن مَيَّادَةَ :
فلا صَرْمُه
يَبْدُو وفي اليأسِ راحةٌ |
|
ولا وصلُه
يَصْفُو لنا فنُكارِمُهُ (٦) |
كأنّه لمّا قالَ : فلا صرمُهُ يَبدُو ، قيل له : ما تَصنَعُ بِهِ؟ فأجاب بقوله : وفي
__________________
(١) في « ت » : فالتفت بدل : ثم التفت.
(٢) مجمع الزوائد ٨ : ٩٨ ، مجمع البحرين ٢ : ٢١٩.
(٣) الفائق ٣ : ٣٢٤ ، النّهاية ٤ : ٢٥٩.
(٤) انظر مفتاح العلوم : ٨٦ ، ومختصر المعاني : ٥٢.
(٥) الإسراء : ٨١.
(٦) انظر نهاية الأرب ٧ : ١١٦.