وأصبح يتّصل كلّ يوم اتّصالاً مباشراً بالزوّار المتعصّبين المتدفّقين على المزارات المقدّسة في النجف وكربلاء والكاظمين. وكان كلّ ما يتطلّبه الموقف شرارة واحدة لتشعل تلك المادّة السريعة الالتهاب ، ونعني بها الأحقاد والحزازات والمخاوف التي أثارها استئناف البابيّين لنشاطهم. ولقد تكفّل بإشعال هذه الشرارة رجل يُدعى الشيخ عبد الحسين ، وهو شيخ لئيم عنيد لم يفُق حسده الشديد لحضرة بهاء الله إلاّ قدرته على إثارة القلاقل والفتن بين ذوي المناصب العالية وبين سفلة القوم من العرب والعجم الذين كانت تزدحم بهم الشوارع والأسواق في الكاظمين وكربلاء وبغداد. وقد وصفه حضرة بهاء الله في ألواحه بـ : الخسيس ، والدسّاس ، والخبيث ، الذي جرّد سيف نفسه على وجه الله ، ووسوس الشيطان في نفسه ، والذي يفرّ الشيطان عن كفره ، والفاجر ، وما من ظلم وما من فسق إلاّ وقد بدأ من هذا الشقي وسيعود كلّ ذلك إليه. وكان الصدر الأعظم يريد التخلّص من هذا المجتهد المزعج ؛ فكلّفه الشاه بالتوجّه إلى كربلاء ؛ ليصلح من شأن الأماكن المقدّسة فيها. فانتهز الفرصة وتحالف مع ميرزا بزرك خان قنصل إيران العامّ الجديد. فوقع هذا تحت تأثير ذلك المتآمر الخسيس ، وأصبح أداة طيّعة لمكائده وخططه. وقد جمع بينهما الاتّجاه إلى النوايا الشرّيرة»(١).
وقد أشار محمّد علي فيضي ـ الكاتب والمبلّغ البهائي المعروف ـ إلى مساعي البهاء والبابيّين في العراق ، ومعارضة الشيعة والسنّة في تلك البقاع ، قائلاً :
«كان انتقال الشيخ عبد الحسين ـ المجتهد الشهير ـ إلى العتبات المقدّسة
__________________
(١) نقلاً عن : القرن البديع ، ترجمة الدكتور السيّد محمّد العزّاوي : ١٧١ ـ ١٧٧.