مفكر ، يهديه إلى البرهان الذي يتلاءم مع مستوى علمه ومنطقه على أن له ربا
وجبت طاعته وعبادته من بين ملايين الأدلة والبراهين في هذا الكون ، وما حواه من
مخلوقات من أصغر جسيم في الذرة إلى أكبر مجرة ، مرورا بعالم النبات والحيوان ،
وكلها تشهد بوحدانية الخالق وعظمته. هذا ما نفهمه من معاني الآية الكريمة أعلاه
والآيات التالية :
(وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ
الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (الأعراف : ١٧٢).
(وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ
الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) (الزخرف : ٩).
إن كل إنسان
ملحد ، لا يستطيع في الحقيقة أن يسكت في ذاته صوت الإيمان الفطري ، فعند ما يخلو
بنفسه أو من خلال زلات لسانه ، يعترف ضمنيا بأن له خالقا فطر السماوات والأرض ،
إلا أن المكابرة وحب المجادلة وخوف الالتزام بتعاليم الدين التي تتعارض مع أصوات
الطاغوت والنفس الأمّارة بالسوء تجعله يتجاهل ويسكت صوت إيمان الفطرة فيه ، فرحمة
من المولى ، وإقامة للحجة عليه أنزلت الكتب والرسالات السماوية التي تساعد الإنسان
على الانتقال به من إيمان الفطرة إلى إيمان البرهان ، هذا إذا أراد ، فهو المخير
مع الجن دون سائر المخلوقات.
وليس الإنسان فقط
، مفطورا على الإيمان بخالقه بل الجماد والنبات والحيوان كذلك. ولقد بدأ العلم منذ
سنوات ، وبالوسائل السمعية والبصرية ، يكتشف شيئا من لغات الحيوان وطرق تخاطبه ،
كما تبين أن للنبات شعورا وإحساسا وربما لغة خاصة به كالحيوان. وسيكشف العلم ذلك
لا حقا أيضا في كل شيء ، مصداقا لقوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ
السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ