« كنا حول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نؤلف القرآن من الرقاع » (١). ودلالة التأليف ، تعني الجمع والتدوين ، وضم شيء إلى شيء ، ليصح أن يطلق عليه اسم التأليف.
ولا دليل على ادعاء الزركشي : بأن بعض القرآن جمع بحضرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢). فلم لا يكون كل القرآن جمع في حضرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علما بأنه قد سبقه من صرح بجمع القرآن كله لا بعضه في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما نصه : « أنه لم يكن يجمع القرآن كله إلا نفر يسير من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٣).
ولا ريب ـ بعد هذا كله ـ أن هناك بعض المصاحف المتداولة عند بعض الصحابة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأخبار مجمعة على صحة وجودها ، وعلى تعدد مصاحف الصحابة أيضا ، إذ لو لم يكن هناك جمع بالمعنى المتبادر إليه ، لما كانت تلك المصاحف أصلاً ، إن وجودها نفسه هو دليل الجمع ، إذ لم يصدر منع من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن جمعه ، بل هناك رواية عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم تقول : « لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه » (٤).
وجمع هؤلاء الصحابة للقرآن هو الجمع الذي نقول به ، لا الحفظ ، وإلا فما معنى تسميتها بالمصاحف ؟ وما معنى اختلاف هذه المصاحف فيما تدعي الروايات.
لقد أورد ابن أبي داود قائمة طويلة بأسماء مصاحف الصحابة ، وعقب عليها بما فيها من الاختلاف ، هذا الاختلاف الذي قد يعود في نظرنا إلى التأويل لا إلى التنزيل ، أو إلى عدم الضبط في أسوأ الاحتمالات ، وقد عقد لذلك بابا سماه « باب اختلاف مصاحف الصحابة » (٥).
__________________
(١) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ٤٤.
(٢) ظ : الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٣٧.
(٣) مقدمتان في علوم القرآن : ٢٥.
(٤) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم : ٢٩.
(٥) ابن أبي داود ، كتاب المصاحف : ٥٠ ـ ٨٨.