حقيقته ، لأن اختلاف بعض الخطوط لقواعد الهجاء لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ، ليتحقق بعد هذا كله التأكيد الإلهي بحفظ القرآن ، سالما من التحريف ، مصاناً عن الزيف.
وقد شاءت العناية الإلهية أن يظل شكل القرآن متجاوباً مع اختلافات الرسم في كل العصور ، ومتجانساً مع عملية التطوير الكبرى للخط العربي ، فقد دأب المتخصصون بصياغة الخطوط وطرائقها أن ينقلوه من جيل إلى جيل مطابقاً للأصل الكوفي مع إضافة الأشكال التطويرية زيادة في الإيضاح ، ورفعا للالتباس ، وكان ذلك متواتراً طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان ، فما وجدنا في طول العالم الإسلامي وعرضه نصاً قرآنياً يخالف نصاً آخر ، ولا مخطوطاً يعارض مخطوطاً سواه ، حتى هيأ الله تعالى الطباعة ، لتزود المسلمين بل الناس أجمعين ، بملايين النسخ من القرآن الكريم ، وبمختلف الطبعات الأنيقة والمذهبة والمحكمة ، وهي تعطر كل بيت ، وتشرف كل منتدى ، وتحتل صدر كل مكتبة.
وكان دور الطباعة مهما في نشر القرآن الكريم في كل من أوروبا والبلدان الإسلامية والوطن العربي.
فقد نشر القرآن مطبوعاً للمرة الأولى في البندقية في حدود سنة ١٥٣٠ م ، بيد أن السلطات الكنسية وقفت منه موقفا متعصبا ، فأصدرت أمراً بإعدامه عند ظهوره ؛ ثم قام هنكلمان بطبع القرآن في مدينة هانبورغ عام ١٦٩٤ م ، وتلاه ( مراتشي ) بطبعه في بادو عام ١٦٩٨ م.
وقد ذكر كل من بلاشير وشزر وبفنلمر أن أول طبعة إسلامية للقرآن كانت في سانت بطرسبورج بروسيا عام ١٧٨٧ م وهي التي قام بها مولاي عثمان ، وبعد هذا قدمت إيران طبعتين حجريتين الأولى في طهران عام ١٨٢٨ م والثانية في تبريز عام ١٨٣٣ م (١).
وفي مصر قام الشيخ رضوان بن محمد الشهير بالمخللاتي بكتابة مصحف عني فيه بكتابة الكلمات في ضوء الرسم العثماني ، وقدم له بمقدمة
__________________
(١) ظ : صبحي الصالح ، مباحث في علوم القرآن : ٩٩ وانظر مصادره.