بل نذهب إلى جواز المخالفة ، وتيسير القرآن بالخط والهجاء الذي لا لبس فيه ، فلا يؤدي إلى اختلاف ، ولا يؤول إلى إبهام ، وليس في ذلك تحامل على السلف ، فليس الخط ونقصانه مما يشكل استخفافا بهم ، ولا هو يتنافى مع ورعهم وتقواهم ، ولا علاقة له بأنهم أصدق لسانا ، وأعظم أمانة ، ما دام أن الخطوط لم تكن متكاملة المعالم في عهودهم.
يقول الاستاذ أحمد حسن الزيات : « الغرض من كتابة القرآن : أن نقرأه صحيحاً لنحفظه صحيحاً ، فكيف نكتبه بالخطأ ، لنقرأه بالصواب ؟ وما الحكمة أن يقيد كلام الله بخط لا يكتب به اليوم أي كتاب » (١).
ولقد كان عز الدين بن عبد السلام جريئا ومحافظا في وقت واحد بقوله :
« لا يجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة ، لئلا يوقع في تغيير من الجهال ، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه ، لئلا يؤدي إلى دروس العلم ، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين ، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة » (٢). فهو يدعو إلى تطوير الرسم المصحفي رفعا لمشاكل القراءة عند المحدثين ، ويدعو إلى الاحتفاظ بالرسم العثماني كجزء من التراث الذي لا يترك حبا بالأقدمين.
ولقد أوضح السيوطي حقيقة مخالفة الخط المصحفي في بعض الحروف لقواعد الخط العربي فقال : « القاعدة العربية أن اللفظ يكتب بحروف هجائية مع مراعاة الابتداء والوقف عليه ، وقد مهد النجاة له أصولاً وقواعد ، وقد خالفها في بعض الحروف خط المصحف الإمام » (٣).
وأنى كانت وجهة النظر تجاه الرسم المصحفي ، فهي لا تعني شيئاً ذا أهمية قصوى ، لأنها مسألة شكلية لا تتعلق بجوهر القرآن ، ولا تغير
__________________
(١) مجلة الرسالة المصرية ، عدد ٨ يناير ، ١٩٥٠.
(٢) الزركشي ، البرهان : ١ / ٣٧٩.
(٣) السيوطي ، الاتقان : ٤ / ١٤٦.