الحقيقة التي نطق بها القرآن في أكثر من موضع بأنه أمي ، وهذه الحقيقة صاحبت حياته كلها ، وهي ليست نقصا في شأنه ، بل اقتضتها الحكمة الإلهية ، لدرء تخرصات المشركين وارتياب المبطلين ، فهي كرامة لا منقصة ، وتشريف لا تضعيف ، وتكريم لا توهين.
لقد أوتي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جوامع الكلم ، وفصل الخطاب ، والنص المتقدم لا ينسجم مع بلاغة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم القولية ، ولا يتفق مع فصاحته المتناهية ، فالصنعة بادية على النص ، والتكلف بين السمات عليه ، وعدم ارتباطه فنيا يبعده عن كلام أفصح من نطق بالضاد ، ثم ما هي علاقة الكتابة بوضع القلم على الأذن اليسرى ؟ وهل يصدق أن يكون هذا الهراء من كلام الرسول ؟ وأين هي المعاني الجامعة في هذا النص الهزيل ؟ وما هو وجه النظم بين فقراته التائهة ، وما هو المراد منها ؟
الثاني : لو كان رسم المصحف توقيفيا ، لكانت خطوط كتاب الوحي واحدة ، وليس الأمر كذلك ، فقد أشير كثيراً إلى اختلاف المرسوم منها في جملة من الروايات.
الثالث : ليس في كتابة أي نص سر من الأسرار كما يدعى ، وأنى توصل لذلك ؟ وكيف يطلق الكلام جزافا ؟ وهل هنالك من له أدنى مسكة من عقل ، أو إثارة من علم فيدعى أن رسم المصحف معجز كنظم القرآن ، والقرآن معجزة بتحديه ونظمه وحسن تأليفه ، وتفوقه باستعاراته ومجازاته وكناياته ، وارتباط كل ذلك بالكشف عن الغيب ، والتحدث عن المجهول ، واستقراء الأحداث ، واشتماله على الإعجاز التشريعي ـ مضافاً إلى الإعجاز البلاغي ـ الذي لا يناسب البيئة التي نزل بها القرآن ، وتمكنه بأسراره العلمية ونظرياته الثابتة ، القرآن معجز بصورته الفنية التي اعتبرت اللفظ حقيقة ، والمعنى حقيقة أخرى ، والعلاقة القائمة بينهما حقيقة ثالثة ، وهل يقاس هذا بالخط والإملاء ؟ وما إعجاز الخط وما هي أسرار الإملاء ؟ حتى لا تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في جملة من الكلمات ، وحذفها من كلمات أخرى ، نعم السر واضح ، وهو بكل بساطة وكل تواضع وكل موضوعية : خطأ الكاتبين ، ولا علاقة لخطئهم بالنص ، فالنص القرآني متعبد بتلاوته لا برسمه ، ولا يطالب الأوائل بأكثر من هذا الجهد في ضبط النص