القرآني بعد أن ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب » (١).
فكتابة المصحف إذن كانت في ضوء ما ألفوه من الهجاء ، واعتادوه من الرسم ، وذلك قصارى جهدهم ، وما ورد فيها من منافيات أصول الخط ، لا يتعارض مع أصول المعاني ومداليل الألفاظ ، فالإملاء لا يغير نطقاً ، ولا يحرف معنى.
الرابع : ليس من المنطق العلمي ولا من المنهج الموضوعي ان نقارن ـ ولو بوجه ضئيل ـ بين الرسم المصحفي الذي كتبه بشر ، وبين أوائل السور القرآنية ذات الحروف المقطعة التي قام الإجماع والتواتر على أنها من الوحي الإلهي والنص القرآني ، وللعلماء فيها آراء واجتهادات ، وفي مضامينها روايات وأخبار ، وفي عرضها رموز وإشارات ، وليس هذا موضع بحثها فلسنا بصددها ، إلا أنها من القرآن المعجز ، وليس الرسم المصحفي من الإعجاز في شيء وإنما هو يخضع لمدى ما يحسن الكاتب ، وأين التحدي من السماء بالإعجاز إلى الصنعة الأرضية التي تتفاوت جودة وضعفا وإتقانا.
وقد حقق عبد الرحمن بن خلدون ( ت : ٨٠٨ ه ) في قضية الرسم القرآني ، وألقى مزيدا من الأضواء الكاشفة ، على فكرة التعصب للرسم العثماني ، وانتهى من فلسفة القول في الخط عند العرب بعامة فقال :
« وكان خط العرب لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الأحكام والإتقان والإجادة ، ولا إلى التوسط ، لمكان العرب من البداوة والتوحش ، وبعدهم عن الصنائع. انظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف ، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم ، وكانت غير محكمة الإجادة ، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم الصناعة الخط عند أهلها.
ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا بما رسمه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخير الخلق من بعده ، المتلقون لوحيه من كتاب الله
__________________
(١) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ١٣٢.