تبلغ العقول إلى وجه حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض ، كحذف الألف من « قرءنا » بيوسف والزخرف ، وإثباتها في سائر المواضع ، وإثبات الألف بعد واو « سموات » في فصلت وحذفها في غيرها ، وإثبات الألف في « الميعاد » مطلقاً ، وحذفها من الموضع الذي في الأنفال ، وإثبات الألف في « سراجاً » حيثما وقع ، وحذفه من موضع الفرقان ؟ وكيف نتوصل إلى حذف بعض التاءات وربطها في بعض ؟؟
فكل ذلك لأسرار إلهية ، وأغراض نبوية ، وإنما خفيت على الناس لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني ، بمنزلة الألفاظ والحروف المقطعة في أوائل السور ، فإن لها أسرارا عظيمة ومعاني كثيرة ، وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها ولا يدركون شيئاً من المعاني الإلهية التي أشير إليها ، فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرفاً بحرف » (١).
فهو كلام طويل عريض يشتمل على ادعاءات وافتراضات لا نوافقه عليها من عدة وجوه :
الأول : أن الرسم المصحفي لم يرد فيه ولا حديث واحد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف يكون توقيفياً ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يتهجى ، فكيف يتم هذا الغلو بشأنه ، بادعاء أن ما كتبوه كان بأمره ، وهو تجاوز على مقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأمر بما يخطأ فيه ويصاب ، هجاء وإملاء مما نعتبره دون أدنى ريب خارجا عن توجيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتوقيفه ، لأنه لا يحسن منه شيئاً ؛ وأما ما ورد بالزعم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : قال لأحد كتبة الوحي :
« الق الدواة ، وحرف القلم ، وأنصب الباء ، وفرق السين ولا تعور الميم ، وحسن الله ، ومد الرحمن ، وجود الرحيم ، وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك » (٢). فموضوع لا أصل له ، ويدل على وضعه ونحله كون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أميا ، فما أدراه بأصول الخط ؟ وما هي معرفته بالحروف ومميزات كتابتها وهو فاقد لأصل الصنعة ، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون ، وليس في ذلك انتقاص للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا غض من منزلته ، ولكن
__________________
(١) الزرقاني ، مناهل العرفان : ١ / ٣٧٦.
(٢) المصدر نفسه : ١ / ٣٧٠.