لا يعضده دليل نصي على الإطلاق ، وما قيل هنا وهناك من توقيف كتابة المصحف ؛ لا يستند إلى أساس من نقل أو عقل أو كتاب ، وليس فيه ما هو مرفوع إلى الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم إجماعاً ، بل كان منسجما مع طبيعة ما يحسن الكتبة ، سواء أكان جنس ما يحسنون ممتازا ، أم هو ما تعارفوا عليه ، مما يؤدي إلى النطق الصحيح بالكلمات والآيات ، وهو أمر يرجع إلى مدى الجهد الذي بذله القدامى إملائياً وهجائياً في ضبط الرسم ، وما من شك أن يحصل الاختلاف بين الكتبة بقدر تفاوت الضبط فيما بينهم ، أو على نحو من اختلاف القبائل فيما تكتب ، مما طبع أثره على الاختلاف في الخطوط.
حينما جمع القرآن على لغة قريش ، ووحدت القراءات على حرف معين ، حصل جزء من هذا الاختلاف ، فقد قال الزهري : « واختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه فقال : النفر القرشيون : التابوت ، وقال زيد : التابوه ، فرفع اختلافهم إلى عثمان ، فقال : اكتبوه التابوت فإنه بلسان قريش » (١).
وفي رواية مماثلة : « فإنما أنزل القرآن على لسان قريش » (٢).
وأما ما ادعاه ابن المبارك في نقله عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال :
« ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة ، وإنما هو توقيف من النبي وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة : بزيادة الألف ونقصانها ، لأسرار لا تهتدي إليها العقول ، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية ، وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز ، وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في « مائة » دون « فئة » وإلى سر زيادة الياء في « بأييد » و« بأييكم » أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الأف في « سعوا » بالحج ، ونقصانها من « سعو » بسبأ ؟ وإلى سر زيادتها في « آمنوا » وإسقاطها من « باؤ ، جاؤ ، تبوؤ ، فاؤ » بالبقرة ؟ وإلى سر زيارتها في « يعفوا الذي » ونقصانها من « يعفو عنهم » في النساء ؟ أم كيف
__________________
(١) ابن أبي داود ، المصاحف : ١٩.
(٢) الزركشي ، البرهان : ١ / ٣٧٦.