وكان هذا العمل من أبي الأسود متميزاً بقيمة فنية أمكن بوساطتها التمييز بين الحالات الإعرابية بنقط مختلفة المواضع بعد أن كانت هملا ، وبلون يخالف الأصل المدون به المصحف زيادة في الضبط والتفريق.
وفي دوافع أبي الأسود ، ومشجعاته على هذا العمل الضخم روايات وتوجيهات كالآتي :
١ ـ إن الإمام علي عليهالسلام سمع قارئا يقرأ ( إن الله بريء من المشركين ) (١) بكسر اللام في رسوله وهو كفر ، فتقدم إلى أبي الأسود « حتى وضع للناس أصلاً ومثالاً وبابا وقياسا ، بعد أن فتق له حاشيته ، ومهّد له مهاده ، وضرب له قواعده » (٢).
٢ ـ أن أبا الأسود نفسه قد سمع الآية المتقدمة في جزئها بكسر اللام من ( رسوله ) فقال :
لا يسعني إلا أن أضع شيئاً أصلح به لحن هذا ، أو كلاماً هذا معناه (٣).
٣ ـ أن زياد بن أبيه طلب إليه أن يضع للناس علامات تضبط قراءتهم ، فشكل أواخر الكلمات ، وجعل الفتحة نقطة فوق الحرف ، والكسرة نقطة تحته ، والضمة نقطة إلى جانبه ، وجعل علامة الحرف المنون نقطتين (٤).
وقيل إن زيادا أرسل إليه ثلاثين كاتبا للقيام بهذه المهمة (٥).
٤ ـ وقيل : إن أبا الأسود إنما قام بهذا وبنقط القرآن ـ كما في رواية أخرى ـ بأمر عبد الملك بن مروان (٦).
__________________
(١) التوبة : ٣.
(٢) أبو حيان التوحيدي ، البصائر والذخائر : ١ / ٢٦١.
(٣) البلوي ، الف با : ١ / ٢١٠.
(٤) الأنباري ، نزهة الالباب في طبقات الأدباء : ١٠ وما بعدها.
(٥) ظ : الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٨٨.
(٦) ظ : السيوطي ، الاتقان : ٤ / ١٦٠.