ومهما يكن من أمر ، فقد كان الموقف السلبي من نقط المصحف وشكله منهزماً حينما عمد المسلمون إلى إعجام القرآن ونقطه بشكل منظم ، توافرت فيه النيات الصادقة ، وتعاقبته الأيدي الأمينة ، مما أدى بالأمر الواقع إلى تيسير تلاوة القرآن ، وصيانته عن الالتباس ، ومقاربتنا إلى نقطة الأمثل.
ويبدو أن الرائد الأول لذلك هو أبو الأسود الدؤلي ( ت : ٦٩ ه ) حينما وجدناه قد عالج بادئ ذي بدء مسألة ضبط العلامات الإعرابية في المصحف ، إحترازا من اللحن ، وابتعادا عن العجمة ، ورعاية لسلامة النص ، فاستعمل لذلك ما يفرق فيه بين حالات الرفع والنصب والجر بالتنوين وبدونه ، وابتكر باجتهاد فطري منه طريقته الخاصة الأولى باستعمال النقط للحركات ، بصورة مميزة ، عددا ، وموضعا ، ولونا ، كما سترى هذا من قوله لكاتبه :
« خذ المصحف ، وصنيعا يخالف لون المداد ، فإذا فتحت شفتي فأنقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتها فاجعل النقطة في اسفله ، فإن أتبعت هذه الحركات غنة ، فأنقط نقطتين. فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره » (١).
ومن خلال هذه الرواية المستفيضة ، يتضح أن أبا الأسود قد خالف بين لون المداد المدون به المصحف وبين لونه لوضع هذه الحركات ، وقد جعل هذه الحركات على شكل نقاط في مواضعها المعينة ، وقد ظهر من ذلك ما يلي :
أ ـ نقطة فوق الحرف ، علامة للفتحة.
ب ـ نقطة تحت الحرف ، علامة للكسرة.
ج ـ نقطة في خلال أو بجانب الحرف ، علامة للضمة.
د ـ نقطتين على الحرف ، علامة للتنوين.
__________________
(١) السيرافي ، أخبار النحويين البصريين : ١٦ + ابن النديم ، الفهرست : ٤٠ + ابن الأنباري ، إيضاح الوقف والابتداء : ١ / ٣٩ + القلقشندي ، صبح الأعشى : ١ / ١٦٦.