مضافا إلى الامكان الذاتي والقدرة العقلية هو أن يكون كذلك بالامكان العرفي وهو لا يكون في غير المبتلى به كما لا يخفى. ولذلك يستهجن الخطاب البعثي أو الزجري المطلق عند العرف بما لا ابتلاء للمكلف به أصلا وإن أمكن فعله بالامكان الذاتي أو الوقوعي نعم تقييد الخطاب فيما لا ابتلاء به بصورة الابتلاء يرفع الاستهجان في بعض الموارد.
ولقد أفاد وأجاد في نهاية الأفكار حيث قال في بيان جملة من موارد عدم تأثير العلم الإجمالي في التكليف الفعلي بالاجتناب أصلا لرجوع الشك في أصل التكليف لا في المكلّف به وكذا إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محلّ ابتلاء المكلّف بمثابة يوجب خروجه عن تحت القدرة إمّا عقلا أو عادة بنحو يعدّ المكلّف أجنبيا عن العمل عرفا وغير متمكن منه وهذا على الأوّل واضح لامتناع تعلّق الإرادة الفعلية على نحو التنجيز بما لا يقدر عليه المكلّف وكذا على الثاني فإنّه وإن لم يكن مانعا عن أصل تمشي الإرادة عقلا ولكنّه مانع عرفا عن حسن توجيه الخطاب لاستهجان الخطاب البعثي نحو الفعل أو الترك عند العرف بما يعدّ المكلّف أجنبيا عنه إلّا بنحو الاشتراط بفرض ابتلائه وتمكنه العادي منه.
بل قد يكون بعد الوصول إلى الشيء لبعد المقدمات بمثابة يوجب استهجانه ولو بنحو التقييد والاشتراط كأن يقال لعامي بليد إذا صرت مجتهدا يجب عليك التسهيل في الفتوى أو لدهقان فقير إذا صرت سلطانا فلا تظلم رعيتك حيث إنّه وإن أمكن عقلا بلوغ ذلك البليد إلى مرتبة الاجتهاد وكذا الدهقان الفقير إلى مرتبة الملوكية على خلاف ما تقتضيه العادة إلّا أنّ بعد المقدمات يوجب عرفا استهجان الخطاب المزبور ولو بنحو الاشتراط (١).
ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون حقيقة التكليف البعثي أو الزجري هي جعل ما يدعو إلى الفعل أو الترك بالفعل أو جعل ما يمكن أن يكون داعيا فإنّ كليهما ممنوعان بعد عدم الابتلاء عادة وذلك لأنّه لا يحسن الخطاب والبعث ولو كان بمعنى جعل ما يمكن أن يكون داعيا فيما لا ابتلاء به عادة لعدم وجود أثر لهذا الجعل عند العقلاء وإن لم يكن تكليفا بالمحال
__________________
(١) نهاية الأفكار / ج ٣ ، ص ٣٣٨.