نعم يحسن الأمر بالاجتناب عنه مقيّدا بقوله إذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية أو بملك أو اباحة فاجتنب عنه.
والحاصل : أنّ النواهي المطلوب فيها حمل المكلّف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعدّ مبتلى بالواقعة المنهي عنها ولذا يعدّ خطاب غيره بالترك مستهجنا إلّا على وجه التقييد بصورة الابتلاء.
ولعلّ السرّ في ذلك أنّ غير المبتلى تارك للمنهي عنه بنفس عدم ابتلائه فلا حاجة إلى نهيه (١) حاصله أنّه كما أنّ القدرة العقلية لها مدخلية في حسن الخطاب فكذلك القدرة العادية المتوقفة على كونه مورد الابتلاء لها مدخلية في حسن الخطاب فلا يكفي في حسن الخطاب مجرد القدرة العقلية والامكان العقلي بدون وجود القدرة العادية المذكورة وتبعه في الكفاية حيث قال لما كان النهي عن الشيء إنّما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر كان الابتلاء بجميع الأطراف ممّا لا بدّ منه في تأثير العلم فإنّه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به.
والملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال (٢).
ومن المعلوم أنّ الداعي مع خروج المورد عن محلّ الابتلاء لا ينقدح في النفس بالنسبة إلى الخارج عن محلّ الابتلاء بحسب المتعارف.
أورد عليه في نهاية الدراية بأنّ الخروج عن محلّ الابتلاء إذا كان بحيث يمتنع عادة فعله وتركه فليس هناك شرط زائد على القدرة المعتبرة في التكاليف البعثية والزجرية عقلا وإذا كان بحيث لا يمتنع عادة بل يمكن تحصيله بأسبابه فيمكن توجه الداعي إليه فهو محلّ الكلام إذ لو اعتبر الابتلاء به فعلا كان ذلك شرطا زائدا على القدرة إلى أن قال :
__________________
(١) فرائد الاصول / ص ٢٥١ ، ط قديم.
(٢) راجع الكفاية / ج ٢ ، ص ٢١٨ ـ ٢٣٣.