ولا يخفى عليك أنّه اختلط الجواز التكليفيّ مع الجواز الوضعيّ في كلمات بعض الأعلام مع إنّ الكلام في هذا المقام في الحكم الوضعيّ لا الحكم التكليفيّ.
التنبيه الثاني : وقد مرّ الكلام في الجهة التاسعة ومحصّل الكلام أنّ مثل خطاب (صلّ) وخطاب (لا تغصب) يكونان واجدين للملاك لما عرفت من اختصاص اجتماع الأمر والنهي بوجود الملاك في الطرفين ولا تعارض بينهما لوجود الملاك في الطرفين على المفروض فلا تترتّب عليهما أحكام تعارض الأخبار ، ولا تزاحم بينهما مع وجود المندوحة لإمكان الجمع بين الغرضين بتقديم النهي وإتيان المأمور به في مكان آخر فاللازم هو تقديم جانب النهي والإتيان بالمأمور به في مكان آخر مع وجود المندوحة جمعا بين الغرضين كما هو القاعدة عند تزاحم المضيّق مع الموسّع كالإزالة والصلاة فإنّ مورد الأمر هو صرف الوجود بخلاف النهي فإنّه يدلّ على مبغوضيّة الطبيعة ومقتضى المبغوضيّة المطلقة هو الاجتناب عن جميع أفرادها عقلا.
فاتّضح من ذلك أنّ مع وجود المندوحة وإمكان الجمع المزبور لا مجال للرجوع إلى تقديم جانب الأقوى ملاكا إذ لا وجه لرفع اليد عن أحد الغرضين ولو كان في غاية الضعف لأجل الآخر ولو كان في غاية القوّة بعد إمكان إحرازهما جميعا.
نعم يقع التزاحم بينهما مع عدم وجود المندوحة حتّى على القول بالاجتماع لعدم التمكّن من امتثالهما مع عدم وجود المندوحة فاللازم حينئذ هو تقديم الأقوى ملاكا ولا يجوز التكليف بهما وإلّا لزم التكليف بغير المقدور ، مثلا إذا انحصر العالم في فاسق يقع التزاحم بين أكرم عالما ولا تكرم الفاسق فيتقدّم الأقوى ملاكا سواء قلنا بالاجتماع أو بالامتناع إذ لا يمكن الجمع بينهما في وجود واحد.
فتحصّل أنّ مع المندوحة يجمع بينهما بتقديم النهي على الأمر وإتيان المأمور به في غير محلّ المغصوب ومع عدم المندوحة يقدّم الأقوى ملاكا إن كان وإلّا فيحكم بالتخيير من دون تفصيل بين الامتناع وجواز الاجتماع بالنسبة إلى مقام الامتثال.