ولقد أفاد وأجاد رحمهالله وحشره مع الأبرار ، ومقتضى ما ذكر عدم صحّة توصيف العدم بالمقدّميّة كما لا يتّصف بالجزئيّة ونحوها. لا يقال : إنّ أعدام الملكات كعدم البصر ممّن له شأنيّة البصر لها منشأ الانتزاع الخارجيّ كالقابليّات والاستعدادات. لأنّا نقول : ليس في الخارج إلّا الوجود بناء على أصالة الوجود ، فلا منشأ لانتزاع العدم. نعم ، قصور الوجود مع قابليّته لشيء يكون منشأ لانتزاع أعدام الملكات ، ولكن غير خفيّ أنّ القصور ليس عدميّا.
ومنها ما أفاده صاحب الكفاية قدسسره ، وحاصله كما في تعليقة المحقّق الأصفهانيّ أنّه لا تقدّم ولا تأخّر بين الضدّين بما هما ضدّان ، فنقيض أحدهما وهو العدم البديل للوجود أيضا لا تقدّم له على وجود الآخر ، وهذا معنى كونهما في مرتبة واحدة ، انتهى.
وتوضيح ذلك كما في المحاضرات أنّ المنافرة والمعاندة بين الضدّين كما تقتضي استحالة اجتماعهما في التحقيق والوجود في زمن واحد كذلك تقتضي استحالة اجتماعهما في مرتبة واحدة ، فإذا استحال اجتماعهما في مرتبة واحدة كان عدم أحدهما في تلك المرتبة ضروريّا وإلّا فلا بدّ أن يكون وجوده فيها كذلك لاستحالة ارتفاع النقيضين عن الرتبة ؛ مثلا البياض والسواد متضادّان ، وقضيّة مضادّة. أحدهما مع الآخر ومعاندتهما استحالة اجتماعهما في الوجود في موضوع وفي آن واحد أو رتبة واحدة ، فكما أنّ استحالة اجتماعهما في زمان واحد تستلزم ضرورة عدم أحدهما في ذلك الزمان كذلك استحالة اجتماعهما في رتبة واحدة تستلزم ضرورة عدم واحد منهما في تلك الرتبة لاستحالة ارتفاع النقيضين عن المرتبة أيضا ، بأن لا يكون وجوده في تلك المرتبة ولا عدمه ، وإذا استحال تحقّقهما في مرتبة فلا محالة يكون عدم أحدهما في تلك المرتبة واجبا مثلا عدم البياض في مرتبة وجود السواد وكذلك عدم السواد في مرتبة وجود البياض ضروريّ ، كيف ولو لم يكن عدم البياض في تلك المرتبة يلزم أحد