فمفاد صيغة الأمر كسائر الإنشاءات إيجاديّ لا حكائيّ. ولذلك لا يتّصف بالصدق والكذب بخلاف الخبر لأنّ الصدق والكذب من كيفيّات الحكاية فإنّها إن كانت مطابقة لما ثبت في موطنه من ذهن أو خارج فهي صدق وإلّا فهي كذب وأمّا الإنشاءات فلا موطن لها إلّا نفس الإنشاء كما لا يخفى.
قال سيّدنا الإمام المجاهد قدسسره في تهذيب الاصول : التحقيق أنّ مفاد هيئة الأمر إيجاديّ لا حكائيّ فهي موضوعة بحكم التبادر لنفس البعث والإغراء نحو المأمور به فهي كالإشارة البعثيّة والإغرائيّة وكإغراء جوارح الطير والكلاب المعلّمة. وإن شئت ففرق بينهما بأنّ انبعاث الحيوانات يكون بكيفيّة الصوت والحركات والإشارات المورثة لتشجيعها أو تحريكها نحو المقصود لكن انبعاث الإنسان بعد فهم بعث مولاه وإحراز موضوع الإطاعة لأجل مبادئ موجودة في نفسه كالخوف من عقابه وعذابه والرجاء لرحمته وغفرانه ورضوانه. (١)
أورد في الدرر على كون صيغة «افعل» إنشائيّا بأنّ كون الألفاظ علّة لتحقّق معانيها ممّا لم أفهم له معنى محصّلا ضرورة عدم كون تلك العلّيّة من ذاتيّات الألفاظ وما ليس علّة ذاتا لا يمكن جعله علّة لما تقرّر في محلّه من عدم قابليّة العلّيّة وأمثالها للجعل. والذي أتعقّل من الإنشائيّات أنّها موضوعة لأن تحكي عن حقائق موجودة في النفس مثلا هيئة «افعل» موضوعة لأن تحكي عن حقيقة الإرادة الموجودة في النفس فإذا قال المتكلّم : اضرب زيدا ، وكان في النفس مريدا لذلك فقد أعطت الهيئة المذكورة معناها فإذا قال ذلك ولم يكن مريدا واقعا فالهيئة المذكورة ما استعملت في معناها.
ثمّ استشكل على نفسه بأنّه قد يؤتى بالألفاظ الدالّة على المعاني الإنشائيّة
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ / ١٣٥.