نعم قد يقال إنّ المراد من الإرادة التشريعيّة هي الطلب والبعث باعتبار أنّه يدعو المكلّف إلى إيجاد الفعل في الخارج ولكنّه صرف التسمية ولا يترتّب عليها أحكام الإرادة التكوينيّة إذ لا جامع بينهما حتّى يوجب تسرية حكم إحداهما إلى الأخرى فإنّه من الاعتباريّات لا واقع موضوعيّ له ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار وعليه فعدم تعلّق الإرادة التكوينيّة بالأمر المتأخّر زمنا لا يستلزم عدم تعلّق البعث بأمر متأخّر.
بل ما اعتبره المولى قد يكون متعلّقه حاليّا وقد يكون استقباليّا ولا فرق في ذلك بين الأحكام التكليفيّة والأحكام الوضعيّة فكما أنّ الوصيّة بالملك بعد الموت معقولة كذلك البعث نحو أمر متأخّر معقول وقد تحصل من ذلك في تسرية أحكام الإرادة على الطلب والبعث مغالطة ظاهرة ولا منشأ لها إلّا الاشتراك في الإسم فلا مانع من الالتزام بالواجب المعلّق بالمعنى الذي ذكرناه وهو كون وجوبه مشروطا بشرط متأخّر (١).
وفيه أوّلا : أنّ البعث الانشائيّ ناش من الإرادة الجدّية بالنسبة إلى فعل الغير عن اختياره فإنّ المريد بعد ملاحظته أنّ صدور الفعل عن الغير يحتاج إلى الداعي قام بصدد إيجاب ما يصلح للداعويّة.
فهذه الإرادة الفعليّة بالنسبة إلى أمر متأخّر توجب إرادة البعث والطلب الإنشائيّ بغرض إمكان انبعاث الغير والإرادة بالنسبة إلى فعل الغير تسمّى بالإرادة التشريعيّة باعتبار توقّف المراد على البعث والحكم والتشريع ومقابلتها مع الإرادة التكوينيّة بفعل النفس من جهة التوقّف المذكور واشتراكهما من جهة كون الإرادة في الصورتين أمرا نفسانيّا وعليه فأحكام الإرادة التكوينيّة تجري فيها أيضا فإن قلنا بإمكان تعلّق
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٢ ص ٣٥١.