قال المقريزي : انّ الأصحاب تفرّقوا بعد رحلة النبي «ص» الى البلاد. وبقي بعضهم في المدينة مع أبي بكر ، فكان أبو بكر يقضي بما كان عنده من الكتاب والسنة ، فان لم يكن عنده شيء سأل من بحضرته من الأصحاب ، فان لم يكن عندهم شيء اجتهدوا في الحكم (١).
ومن الأسباب التي يذكرها القائلون بأنّ عملية الاجتهاد مختصة بأهل السنة وإنّ الشيعة لم يكن لديهم اجتهاد ما دام أئمتهم بينهم : انّ الشيعة لم يكونوا بحاجة الى الاجتهاد لوجود أئمتهم بين ظهرانيهم ، ومعنى ذلك انّهم إذا احتاجوا الى مسألة أو حكم شرعي أخذوها مباشرة عن الأئمة «ع» إلّا إذا تعذّر الوصول الى الإمام فعندئذ يضطرّون الى اللجوء الى الأصول العلمية لاستنباط الحكم الشرعي منها ، ومع القدرة لتحصيل العلم بالحكم الشرعي بواسطة السؤال عن الأئمة «ع» ما هي الحاجة الى الاجتهاد في تحصيل الأحكام الشرعية؟
سواء قلنا انّ الاجتهاد عبارة عن : التفريع وردّ الفروع الى الأصول ، كما مثلناه ، أو قلنا انّ الاجتهاد هو بمعنى القياس والرأي كما تذهب اليه أهل السنة.
ومن أولئك الذين يزعمون بتأخّر الشيعة في الرجوع الى الاجتهاد الدكتور «مستر چارلز آدامس» قال : لو أردنا أن نفهم لما ذا تأخّر الشيعة في عملية الاجتهاد عن أهل السنة لسنا بحاجة الى أن نذهب بعيدا في هذه المسألة ، انّ الشيعة لم يحتاجوا الى الرجوع الى «أصول الفقه» مع وجود الأئمة فيما بينهم ، ولم يستعينوا في حلّ مشاكلهم بعملية الاجتهاد ، لكن بعد غيبة الامام الثاني عشر «ع» تغيّرت الفكرة الشيعية ، والتجأت الى الاجتهاد ومراجعة الأدلة (٢).
وذهب الى هذا الزعم أيضا الاستاذ محمود الشهابي (٣). وقد تابعة في هذه الفكرة بعض المتأخرين.
__________________
(١) تاريخ حصر الاجتهاد / ٩٠ ، والخطط المقريزية ٢ : ٣٣٢.
(٢) هزاره شيخ طوسي ٢ : ٢٧.
(٣) تقريرات الأصول / ٤٣.