المبحث الثالث المعاهد العلمية
مدرسة بغداد :
عند ما كان المعهد الثقافي والعلمي في القرن الرابع مستقرا في قم لأسباب عديدة تحوّل هذا المكان الى بغداد.
وفيما يلي نذكر بعض الأسباب والعوامل التي أدّت الى ذلك :
١ ـ بلغت الدولة العباسية في هذا الوقت من الضعف ما جعلها تصرف النظر عن ملاحقتها للشيعة ، خلافا لما كانت عليه في أيّام قوتها ، عند أول تأسيسها ، حيث كان الشيعة مضطهدين على يد ملوك العباسيين الأوائل من أمثال المنصور والرشيد والمتوكل.
ولمّا أحسّ فقهاء الشيعة وعلماؤهم بهذا الضعف ، وحصول الفرصة لأداء وظيفتهم ورسالتهم ، ونشر مذهب أهل البيت «ع» وفقههم ، وانّ المجال تيّسر لممارسة العمل العلمي بصورة علنية ، وعدم قدرة المعادين لمذهب أهل البيت «ع» ، ففي هذا المجال وجد علماء الامامية أحسن مكان لنشر ثقافتهم وفقه الشيعة في نفس العاصمة حيث كانت محلا لاجتماع العلماء لكلّ المذاهب إلّا الشيعة ، نتيجة لتلك المحاربة القاسية من قبل السلطات العباسية ، فعندها أخذ زعماء الشيعة بغداد مستقرا لنشر مذهبهم.
٢ ـ ومن تلك الأسباب ظهور شخصيات ذات مكانة اجتماعية مرموقة بين الأوساط البغدادية كالشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، وبيوتات أخرى كانت تستغل وجهة خاصة ، فمثل هذه الشخصيات العلمية الكبيرة في بغداد ونشأتهم بها ، ومعرفتهم وصلتهم بسائر الطبقات تهيأت للشيعة فرصة لم تتيسر من قبل ، فأخذ أولئك في نشر الفقه الجعفري ، وتطوير الدراسة في هذه البلدة العظيمة ولأوّل مرّة قدّر للشيخ المفيد ـ الذي كان زعيم الشيعة في عصره ـ بأن يمهّد لبسط مدرسة أهل البيت «ع»