في بغداد ، رغم المدارس المختلفة لجميع المذاهب ، وبعد مضي عدة سنين أصبحت المدرسة الشيعية أوسع مدرسة فرضت نفسها بين الأوساط العلمية وتبلورت ، فكانت هذه المدرسة أضخم المدارس الموجودة يومذاك وأعمقها جذورا وأصولا ، وأكثرها تأصلا واستعدادا ، وأقومها في الاستدلال والاحتجاج في مقابل أعداء الاسلام وأعداء الفكرة الامامية.
فأخذ أمر هذه المدرسة يعلو بسرعة هائلة وأخذت تجلب أنظار الطلاب والمثقفين حولها ، هذه المدرسة التي فرضت نفسها في العاصمة وتتقدم بذلك التقدم السريع.
فلم ينحصر تلامذة هذه المدرسة بطلّاب الشيعة فقط ، فقد كان يحضر درس الشيخ الطوسي على ما يذكره لنا التاريخ حوالي ثلاثمائة مجتهد من الشيعة ، ومن العامة وأهل السنة ما لا يحصى عددهم. (١)
وعظمت مدرسة الشيعة في بغداد بلغت الى حدّ لم تلفت نظر الباحثين والمحقّقين والطلبة فقط ، بل وصل الأمر الى إلفات نظر خلفاء العصر ، فمثلا نرى انّ الخليفة القائم بأمر الله بن القادر بالله جعل للشيخ الطوسي كرسي الافادة والبحث ، ونصبه لهذا المكان الرفيع ، وكان لكرسي الافادة والكلام مقام كبير يومذاك في «بغداد» (٢).
وهذا يعني انّ الشيخ الطوسي ـ الذي كان في عصره أكبر شخصية علمية ودينية يتزعّم قيادة الشيعة والمرجعية للطائفة ـ فرض وجود المدرسة الامامية ـ رغم ميول الجهاز المعادي ، ورغم معارضات المذاهب الكلامية والفقهية الأخرى ـ على أجواء العراق الثقافية ، التي كانت أكبر مركز ثقافي وعلمي في العالم الاسلامي يومذاك.
وألمع الشخصيات العلمية في هذه المدرسة : الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وبما انّا درسنا حياة هذه الشخصيات الكبيرة في المدرسة الأولى والثانية فلا داعي لأن نعيد ذلك.
وقدّر للمفيد والمرتضى والطوسي أن يفتحوا باب الاجتهاد المطلق والنظر والرأي
__________________
(١) راجع مقدمة التبيان للمحقق الطهراني آغا بزرك.
(٢) مقدمة اللمعة / ٦٠.