التقريب الأوّل : أن النفي في القاعدة وإن كان مردداً بين التركيبي والبسيط ، لكن ارتكازية أن المتكلّم له شريعة وأحكام ، يكون بنفسه قرينة لبيّة على أن المراد من النفي فيها هو التركيبي. فكأنه قال «لا ضرر من ناحية الشريعة» المفروغ عن وجودها.
التقريب الثاني : أن القرينة على ذلك هو ظهور الدليل في الامتنان على النحو الذي أشرنا إليه فيما سبق. ولا يتحقّق الامتنان على المكلفين ، إلّا بلحاظ جعل الضرر مانعاً عن التشريع ، وكون التشريع ثابتاً لولا الضرر وإلّا لو فرض عدم ثبوت التشريع من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فان مثل ذلك لا يكون فيه امتنان على الأمة.
إذن فظهور القاعدة في الامتنان مساوق لظهورها في مانعية الضرر عن التشريع ، والظهور في المانعية يساوق المفروغية عن وجود التشريع لولا المانع. وبتعبير آخر : الامتنانية تستبطن فرض وجود تشريع مفروغ عنه في الرتبة السابقة ، ويكون «لا ضرر» في مقام إنشاء مانع عام عن التشريع وهو الضرر ، فيكون حاله حال أدلّة الشرائط والموانع من قبيل : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» أو «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه» ونحو ذلك من أدلّة المانعية التي لها الحكومة والنظر إلى دليل الحكم الممنوع.
التقريب الثالث : أن يدّعى في المقام أن القاعدة لو لم تكن ناظرة إلى تلك الأحكام ، كان مفادها لغواً ، فبقرينة لزوم اللغوية نصرف النفي إلى التركيبي.
وتوضيح ذلك : أننا لا نحتمل بقطع النظر عن بيان المولى أن الشارع يجعل أحكاماً أصلها ضرري ، وإنّما المحتمل في حقّه أن يشرّع أحكاماً قد توقع الإنسان في الضرر أحياناً ، لا أنه يخصّص الأحكام بحالة الضرر فقط.