التحليل ليس عملية عرفية بل صناعية محضة.
على هذا الأساس لا بدّ أن نقارن بين الدليل الخارجي الدال على وجود الضرر الناشئ من الأسباب الكونية وبين هذا المدلول الواحد الذي حصلنا عليه من مجموع تلك الظهورات بوصفها دالّاً واحداً بحسب النظر العرفي والتي تدل على نفي الضرر مطلقاً. ومن الواضح وجود تنافٍ وتكاذب بينهما. وهنا بعد أن ينتزع العرف ذلك المعنى الواحد المتحصّل من مجموع تلك الظهورات ، يرى أن منشأ التعارض والتنافي إنما هو حيثية الإطلاق في تلك الجملة فقط ، فيرفع اليد عنه دون غيره ؛ والنكتة فيه أن العرف لا يتعامل مع هذه الظهورات معاملة الأدلة المتعدّدة ، وإنما يتعامل معها على أنها مدلول واحد. والشاهد على هذا من بناء العرف والفقهاء أنه لو جاء «أكرم كل عالم» فإن مقتضى هذا العموم إكرام كل عالم حتى زيد ، فلو علمنا من الخارج بأن زيداً بالخصوص لا يجب إكرامه وطبّقنا عملية التحليل في تقريب الإشكال ، لأمكن أن نقول بأن «أكرم كل عالم» فيه ظهوران ، ظهور «أكرم» في الوجوب ، وظهور «العالم» في الإطلاق حتى لزيد. والدليل الخارجي الدالّ على عدم وجوب إكرام زيد ، نسبته إلى الظهورين على حدّ سواء ، لأنه يكذّب أحدهما لا بعينه ، ولا أقربيّة لأحدهما على الآخر. ومن ثم إما أن نرفع اليد عن ظهور الإطلاق أو نرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ونحمله على الاستحباب ، لكن مع هذا نجد أن العرف لا يتوقف في أن يقول بالتخصيص في المقام ، لا التصرّف في ظهور هيئة الأمر في الوجوب وحمله على الاستحباب. وليست النكتة فيه سوى أن العرف لا يحسب في مقابل «لا يجب إكرام زيد» وجود دليلين مستقلّين ، أحدهما يدلّ على الوجوب والآخر