وكان المسلمون قلّةً ضئيلة في قبال خصمهم ، ولم يكونوا ليخوضوا تجربة الحرب بعد ، ومع ذلك فقد خفَّ البعض منهم سِراعاً ، بينما تثاقل البعض الآخر ظناً منهم بأن النبي لا يلقى حرباً . فكان عدد المقاتلين من المهاجرين والأنصار ثلاثمائة ، أو يزيدون قليلاً .
أما أبو سفيان ، فحين بلغه تأهب المسلمين للقائه دبَّ الذعر في قلبه ، وساوره قلق شديد على مصير القافلة ، حتى إذا وصل إلى مكان يقال له : « الروحاء » وجد فيه رجلاً إسمه : مجدي بن عمر ، فسأله عن أخبار محمد ؟ فقال : « ما رأيتُ أحداً انكره ، غير اني رأيت راكبين أناخا في هذا التل ، ثم استقيا في شنٍ (١) لهما وانطلقا . . »
أقبل أبو سفيان نحو التل وتناول بعراتٍ من فضلات الراحلتين ففتَّهما ، فإذا فيها النوى ، فقال : « هذه والله علائف يثرب ! وأدرك أن الرجلين من أصحاب محمد وانه قريب من الماء . » .
فرجع بالعير يضرب وجهها عن الطريق متجهاً بها نحو الساحل ، تاركاً بدراً الى يساره إلى أن نجا بالقافلة بعد أن كاد أن يسقط في أيدي المسلمين .
ضمضم يدخل مكة مستصرخاً
وكان أبو سفيان قد انفذ ضمضم بن عمرو الغفاري الى مكة ، يستصرخ قريشاً كي يهبُّوا لنجدةِ القافلة من مصير محتم ، فدخل مكة وقد جدعَ أنفَ بعيره ، وأدار رحله وشق قميصه وصاح بأعلى صوته :
« يا معشر قريش ، اللطيمة . . اللطيمة . . * أموالكم مع أبي سفيان ، قد تعرَّض لها محمدٌ وأصحابه ، ولا أرى أن تدركوها » .
____________________
(١) : الشن : القربة الصغيرة .
* : اللطيمة : التجارة . وقيل : العطر خاصة .