إلى الغرض المقصود لمشكل معانيه وامتثال أوامره ونواهيه ، وليعدّ من السابقين بالخيرات البالغين به أعلى الدرجات ، فقد كفانا في الحثّ على تفهمّه قول الله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ)(١) ، فجعل غرض تنزيله ينتهي إلى تدبّر تأويله.
ولم أزل منذ علّمني الله كتابه طامحاً بفكري إلى معرفة إعجازه باليقين الذي يخصّ دون التقليد الذي يعمّ ، فكان البحث يهجم بي على بدائع فصاحة تروق أسماع العالمين وودائع بلاغة تفوق قدر المخلوقين ، وتسبح بي خواطر تحصينه عن شكّ المتأمّل وإعنات المتأوّل أراها مواهب ـ من الله تعالى ـ مبتكرة وعوائد من لطفه ـ جلّت قدرته ـ مقبلة ، حتّى أنّني لم أكن أكرّ فيه كرّة إلاّ استسرّ فيها قلبي في كلّ موقف أجسر عليه عنان الفكرة ، متمهّلاكمين من الفائدة لم يكن طلع أوّلا ، فكأنّني منه حديقة تتلاحق جناها و (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِيْن بِإِذْنِ رَبِّها)(٢) ، فأحببت نظم ذلك كلّه وجمع شمله بما أورده العلماء من مثله ليكون النفع تامّاً والقصد عامّاً ـ بعون الله تعالى.
فاخترت أحسن ما اختلف فيه أهل النقل وأخلصه على عيار السّمع والعقل ، فاقتضبته لُمَعاً هادية ونكتاً كافية ، ونزّهته عن التطويل المملّ والإيجازالمخِلّ ، وأخليته من استقصاء العلوم المفردة بذواتها ، كالإعراب والأحكام والقراءات واشتقاق اللغات ، إذ كان قصدنا تفسير اللفظ الغريب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) سورة ص الآية : ٢٩.
(٢) سورة إبراهيم الآية : ٢٥.