مثال آخر من الكتاب نفسه يصلح أن يكون شهادة تؤكّد ذهاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بالتجسيم ، وذلك في الموضع الذي يذكره ابن بطوطة تحت عنوان : (حكاية الفقيه ذي اللوثة) ، حيث يقول :
«وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلم في الفنون إلاّ أنّ في عقله شيئاً ... وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على المنبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : (إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من دُرُج المنبر»(١).
إنّ هاتين الشهادتين الواردتين في واحد من كتب الرحلات ترصدان لنا مدى أهمية هذا النوع من الكتب بالنسبة إلى الباحثين والمحقّقين في إثبات بعض الحقائق التي يسعى الإقصائيّون والإلغائيّون إلى التستّر عليها وإنكار وقوعها ، بل ورمي الآخر بها ، من باب (رمتني بدائها وانسلّت).
ومن بين تلك الرحلات التي لم تخلُ من مثل هذه الشهادات كتاب رحلة (تذكرة الطريق) الذي كتبه مؤلّفه الأمير محمّد عبد الحسين الكربلائي الهندي باللغة الفارسية ، والذي عرّفني به سماحة الأستاذ السيّد علي باقر الموسى عارضاً عليّ ترجمته إلى اللغة العربية ، وعند قراءتي له وجدت في مطالعته متعة بالغة لما يحتوي عليه من إثارات جديرة بالتأمّل والاعتبار. وها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نفس المصدر : ٥٦ ـ ٥٧.