خطوط المستقبل ، وإذا أردنا توضيح ذلك من خلال مثال ملموس يؤكّد لنا حالة الاحتقان الطائفي والقمع المذهبي وعدم الاعتراف بالآخر وممارسة الإرهاب ضد الآخر مثلاً ، أمكن لنا الاستشهاد بالحادثة التي يرويها لنا محمّد ابن إبراهيم اللواتي المعروف بـ : (ابن بطوطة) في رحلته ؛ إذ يقول :
«لما دخلنا هذه المدينة [صوبة] ، رآنا أهلها نُصلّي مُسبلي أيدينا ، وهم حنفيّة لا يعرفون مذهب مالك ، ولا كيفية صلاته ، والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين ، وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلّون مسبلي أيديهم ؛ فاتّهمونا بمذهبهم ، وسألونا عن ذلك ؛ فأخبرناهم أننا على مذهب مالك ، فلم يقنعوا بذلك منّا ، واستقرّت التهمة في نفوسهم ، حتّى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب ، وأوصى بعض خدّامه أن يلازمنا حتّى يرى ما نفعل بها ، فذبحناها وطبخناها وأكلناها ، وانصرف الخديم إليه وأعلمه بذلك ، فحينئذ زالت عنّا التهمة»(١).
وهكذا يثبت من خلال هذه الشهادة العابرة أنّ الإرهاب المذهبي كان من القوّة بحيث يعتبر معتنق المذهب الآخر متّهم ، وعليه أن يثبت براءته بالأدلّة العملية القاطعة ، ولو لم يكن هؤلاء النفر من المالكية حقّاً ، وامتنعوا عن أكل الأرنب ، لكانوا قد طبخوا وأكلوا فداءً لتلك الأرنب ، ولما تسنّى لابن بطوطة أن يكمل لنا كتابة رحلته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) رحلة ابن بطوطة : ١٨٦.