واصطناع المحن ، وطفق الحقُّ ليرتئي مرَّةً أخرى على أن يصول بيد جذّاء أويصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربَّه ، ألا وإنّ الصبر على هاتا أحجى ، فلنصبرنَّ وفي العين قذى وفي الحلق شجى نرى تراثنا نهبا(١).
وقد تصدّى العلاّمة الأميني رحمهالله لهذا الكلام رادّاً على الجاحظ وقد ألقمه حجراً بأسلوبه العلميِّ متَّبعاً في ذلك الشيخ المفيد في ردِّه عليه في الفصول المختارة(٢).
ولكن ومع كلِّ ما في كلام الجاحظ من تحامل وتغيُّظ على الشيعة ، وبالرُّغم من أنَّ كلامه كلام ذمّ بما يشبه المدح ، إلاّ أنّه لا يخلو من اعتراف وإقرار بمقام الكميت بن زيد على المناظرة العلمية في شعره ، وبالرغم من أنّ الكميت لم يكن هو أوّل من ناظر من الشيعة على الصعيد العامّ ، وإن لم يكن يعدّ من الشخصيّات أو من العلماء الجدليِّين الكلاميِّين والمناظرين للخصوم ممّن عدّهم العلاّمة الأميني قبل أن تنعقد نطفة الكميت بن زيد كخزيمة بن ثابت وعبد الله بن عبّاس والفضل بن عبّاس وعمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري و ... ، ولكنَّه هو أوّل من أدخل المناظرة في الشعر من الشعراء ، وهو أوّل من أوجد هذه الصناعة في الشعر وفتح الباب على مصراعيه لأجيال ومواكب الشعراء ليدخلوا هذا المضمار فدخلوا وخاضوا وجاؤوا بالعجب العجاب ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) استعارة أدبية من الخطبة الشقشقية ، نهج البلاغة ١ / ٣١.
(٢) الفصول المختارة : ٢٨٦.