أجل إنّهم عليهمالسلام كانوا ينطقون بالشعر تارة وذلك فيما ذكرناه من الحكمة والموعظة الحسنة ؛ لأنَّه من لوازم الأدب وهم سادته ، ومن كلام العرب وهم أعلم بمذاهبه ومآربه ، ولمّا سئل أمير المؤمنين عليهالسلام من أشعر الناس؟ تنزَّه عن الجواب ولمّا ألحّوا عليه قال عليهالسلام : «إن كان ولا بدّ فإنّه الملك الضلّيل» (١) وأراد به إمرأ القيس ولم يصرّح باسمه حيث تستشعر منه كراهية أن يخوض ما يخوضه الناس فيما يذهب إليه الشعراء من مسالك شتّى ، وأنّا يكون للإمام وكيف ينبغي له أن يسلك مسالك الشعراء حيث عرفوا وعرفت أشعارهم بكثرة الاستعارات المجازية والتزويقات والترويقات الشعرية حتّى قيل في الشعر : «أكذبه أعذبه» حيث يسير في عالم الخيال ويصوّر كلّ ما هو بعيد عن الواقع ليتقرّب به الشاعر إلى الملوك والأكابر من ذوي الجاهات والمقامات طمعاً وتملُّقاً ، هذا وقد عرف الشعر بالغزل والهجاء والطرب والغناء والتشبيب والمفاخرة والتحريض على الأخذ بالثأر والانتقام ، وكلّ ذلك مخالف لما جاء به الدين الحنيف من شريعته السمحاء التي ترسم للإنسان طريق طاعة الله في كلِّ ما ترمي إليه رسالة السماء من برّ وصلاح.
ولا يعني هذا أنَّهم عليهمالسلام كانوا لا يعتنون بالشعر والشعراء ولا يعيرون لهما أيّ أهمّية ، وكيف ذلك وهو من لوازم الأدب ومن آليّات حفظ اللغة والإبقاء عليها من الإندراس والانطمار ، ولكن كان أكثر اهتمامهم هداية الشعر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) نهج البلاغة ٤ / ١٠٥.