يكون مما قيل في النداء لموسى عليهالسلام ، أو يكون مستأنفا وعلى كلا الوجهين قصد به تنزيه الله مما عسى أن يخطر ببال السامع من معنى النداء ، أو في قوله : بورك من في النار لأن المعنى نودي أن بورك من في النار ، إذ قال بعض الناس فيه ما يجب تنزيه الله عنه.
(وَأَلْقِ عَصاكَ) هذه الجملة معطوفة على قوله : بورك من في النار ، لأن المعنى يؤدي إلى أن : بورك من في النار ، وأن ألق عصاك وكلاهما تفسير للنداء (كَأَنَّها جَانٌ) الجان : الحية ، وقيل : الحية الصغيرة ، وعلى هذا يشكل قوله : فإذا هي ثعبان ، والجواب : أنها ثعبان في جرمها ، جان في سرعة حركتها (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع أو لم يلتفت (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) استثناء منقطع تقديره : لكن من ظلم من سائر الناس ، لا من المرسلين ، وقيل : إنه متصل على القول بتجويز الذنوب عليهم ، وهذا بعيد ؛ لأن الصحيح عصمتهم من الذنوب ، وأيضا فإن تسميتهم ظالمين شنيع على القول بتجويز الذنوب عليهم (بَدَّلَ حُسْناً) أي عمل صالحا (فِي جَيْبِكَ) ذكر في [طه : ٢٢] (فِي تِسْعِ آياتٍ) متصل بقوله : ألق وأدخل ، تقديره : نيسر لك ذلك في جملة تسع آيات ، وقد ذكرت الآيات التسع في [الإسراء : ١٠١] (إِلى فِرْعَوْنَ) متعلق بفعل محذوف يقتضيه الكلام تقديره : اذهب بالآيات التسع إلى فرعون (مُبْصِرَةً) أي ظاهرة واضحة الدلالة ، وأسند الإبصار لها مجازا ، وهو في الحقيقة لمتأملها (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) يعني أنهم جحدوا بها مع أنهم تيقنوا أنها الحق فكفرهم عناد ، ولذلك قال فيه : ظلما ، والواو فيه واو الحال ، وأضمرت بعدها قد علوا يعني تكبروا.
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أي ورث عنه النبوة والعلم والملك (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي فهمنا من أصوات الطير المعاني التي في نفوسها (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) عموم معناه الخصوص ، والمراد بهذا اللفظ التكثير : كقولك : فلان يقصده كل أحد ، وقوله : علمنا وأوتينا ؛ يحتمل أن يريد نفسه وأباه أو نفسه خاصة على وجه التعظيم ، لأنه كان ملكا (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) اختلف الناس في عدد جنود سليمان اختلافا شديدا ، تركنا ذكره لعدم صحته (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي : يكفّون ويردّ أوّلهم إلى آخرهم ، ولا بدّ لكل ملك أو حاكم من وزعة يدفعون الناس.