فالخلود على بابه ، وأما على مذهب أهل السنة فالخلود عبارة عن طول المدة (إِلَّا مَنْ تابَ) إن قلنا الآية في الكفار فلا إشكال فيها ، لأن الكافر إذا أسلم صحت توبته من الكفر والقتل والزنا ، وإن قلنا إنها في المؤمنين فلا خلاف أن التوبة من الزنا تصح ، واختلف هل تصح توبة المسلم من القتل أم لا (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) قيل : يوفقهم الله لفعل الحسنات بدلا عما عملوا من السيئات ، وقيل : إن هذا التبديل في الآخرة : أي يبدل عقاب السيئات بثواب الحسنات (يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) أي متابا مقبولا مرضيا عند الله كما تقول : لقد قلت يا فلان قولا ، أي قولا حسنا (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي لا يشهدون بالزور وهو الكذب فهو من الشهادة ، وقيل : معناه لا يحضرون مجالس الزور واللهو ، فهو على هذا من المشاهدة والحضور ، والأول أظهر (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) اللغو هو الكلام القبيح على اختلاف أنواعه ، ومعنى مروا كراما أي أعرضوا عنه واستحيوا ، ولم يدخلوا مع أهله تنزيها لأنفسهم عن ذلك (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) أي لم يعرضوا عن آيات الله ، بل أقبلوا عليها بأسماعهم وقلوبهم ، فالنفي للصمم والعمى لا للخرور عليها (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) قيل : معناه اجعل أزواجنا وذريتنا مطيعين لك ، وقيل : أدخلهم معنا الجنة ، واللفظ أعم من ذلك (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي قدوة يقتدي بنا المتقون ، فإمام مفرد يراد به الجنس ، وقيل : هو جمع آم أي متبع (الْغُرْفَةَ) يعني غرفة الجنة فهي اسم جنس.
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية ، وفي معنى الدعاء هنا ثلاثة أقوال : الأول : أن المعنى إن الله لا يبالي بكم لو لا عبادتكم له ، فالدعاء بمعنى العبادة وهذا قريب من معنى قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] الثاني : أن الدعاء بمعنى الاستغاثة والسؤال ، والمعنى لا يبالي الله بكم ، ولكن يرحمكم إذا استغثتم به ودعوتموه ويكون على هذين القولين خطابا لجميع الناس من المؤمنين والكافرين ، لأن فيهم من يعبد الله ويدعوه ، أو خطابا للمؤمنين خاصة ، لأنهم هم الذين يدعون الله ويعبدونه ، ولكن يضعف هذا بقوله «فقد كذبتم» الثالث : أنه خطاب للكفار خاصة والمعنى على هذا : ما يعبأ بكم ربي لو لا أن يدعوكم إلى دينه ، والدعاء على هذا بمعنى الأمر بالدخول في الدين ، وهو مصدر مضاف إلى المفعول ، وأما على القول الأول والثاني فهو مصدر مضاف إلى الفاعل (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) هذا خطاب لقريش وغيرهم من الكفار دون المؤمنين (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) أي سوف يكون العذاب لزاما ثابتا وأضمر العذاب وهو اسم كان لأنه جزاء التكذيب المتقدم ، واختلف هل يراد بالعذاب هنا القتل يوم بدر ، أو عذاب الآخرة؟