فعاتبهم على ثلاثة أشياء ، وهي : تلقيه بالألسنة : أي السؤال عنه وأخذه من المسؤول والثاني : قولهم ذلك ، والثالث : أنهم حسبوه هينا وهو عند الله عظيم ، وفائدة قوله بألسنتكم وبأفواهكم الإشارة إلى أن ذلك الحديث كان باللسان دون القلب ، إذ كانوا لم يعلموا حقيقته بقلوبهم (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) أي كان الواجب أن يبادروا إلى إنكار هذا الحديث أول سماعهم له ، ولو لا أيضا في هذه الآية عرض ، وكان حقها أن يليها الفعل من غير فاصل بينهما ، ولكنه فصل بينهما بقوله : إذ سمعتموه لأن الظروف يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ، والقصد بتقديم هذا الظرف الاعتناء به ، وبيان أنه كان الواجب المبادرة إلى إنكار الكلام في أول وقت سمعتموه ، ومعنى ما يكون لنا : ما ينبغي لنا ولا يحل لنا أن نتكلم بهذا.
(سُبْحانَكَ) تنزيه لله عن أن تكون زوجة رسول الله صلى الله وآله وسلم على ما قال أهل الإفك ، وقال الزمخشري : هو بمعنى التعجب من عظيم الأمر ، والاستبعاد له ، والأصل في ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجائب (بُهْتانٌ عَظِيمٌ) البهتان أن يقال في الإنسان ما ليس فيه ، والغيبة أن يقال ما فيه (أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ) تقديره : يعظكم كراهة أن تعودوا لمثله ، ثم عظم الأمر وأكده بقوله : إن كنتم مؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الإشارة بذلك إلى المنافقين الذين أحبوا أن يشيع حديث الإفك ، ثم هو عام في غيرهم ممن اتصف بصفتهم ، والعذاب في الدنيا الحد ، وأما عذاب الآخرة ، فقد ورد في الحديث : أن من عوقب في الدنيا على ذنب لم يعاقب عليه في الآخرة فأشكل اجتماع الحدّ مع عذاب الآخرة في هذا الموضع ، فيحتمل أن يكون القاذف يعذب في الآخرة ولا يسقط الحدّ عنه عذاب الآخرة بخلاف سائر الحدود ، أو يكون هذا مختصا بمن قذف عائشة ، فإنه روى عن ابن عباس أنه قال : من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة ، أو يكون لمن مات مصرا غير تائب ، أو يكون للمنافقين (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ذكر في البقرة (بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) ذكر في النحل (زَكى) أي تطهر من الذنوب ، وصلح دينه (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) معنى يأتل يحلف ، فهو من قولك : آليت إذا حلفت ، وقيل معناه : يقصر فهو من قولك : ألوت أي قصرت ، ومنه (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) [آل عمران : ١١٨] والفضل هنا يحتمل أن يريد به الفضل في الدين ،