العموم ، فيمن كان على هذه الصفة وذكر الله في هذه الآية ابتلاءه للإنسان بالخير ، ثم ذكر بعده ابتلاءه بالشر كما قال في [الأنبياء : ٣٥] (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) وأنكر عليه قوله حين الخير : ربي أكرمني وقوله حين الشر : ربي أهانني ويتعلق بالآية سؤالان :
السؤال الأول : لم أنكر الله على الإنسان قوله ربي أكرمني وربي أهانني (١) والجواب من وجهين : أحدهما : أن الإنسان يقول : ربي أكرمني على وجه الفخر بذلك والكبر ، لا على وجه الشكر ويقول : ربي أهانني على وجه التشكي من الله وقلة الصبر والتسليم لقضاء الله ، فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك ، فإن الواجب عليه أن يشكر على الخير ويصبر على الشر. والآخر : أن الإنسان اعتبر الدنيا فجعل بسط الرزق فيها كرامة ، وتضييقه إهانة وليس الأمر كذلك ؛ فإن الله قد يبسط الرزق لأعدائه ، ويضيقه على أوليائه فأنكر الله عليه اعتبار الدنيا والغفلة عن الآخرة ، وهذا الإنكار من هذا الوجه على المؤمن. وأما الكافر فإنما اعتبر الدنيا لأنه لا يصدق بالآخرة ، ويرى أن الدنيا هي الغاية فأنكر عليه ما يقتضيه كلامه من ذلك.
السؤال الثاني : إن قيل : قد قال الله فأكرمه فأثبت إكرامه ، فكيف أنكر عليه قوله ربي أكرمني؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول أنه لم ينكر عليه ذكره للإكرام ، وإنما أنكر عليه ما يدل عليه كلامه من الفخر وقلة الشكر ، أو من اعتبار الدنيا دون الآخرة حسبما ذكرنا في معنى الإنكار. الثاني أنه أنكر عليه قوله : ربي أكرمني إذا اعتقد أن إكرام الله له باستحقاقه الإكرام ، على وجه التفضل والإنعام كقول قارون : إنما أوتيته على علم عندي [القصص : ٧٨] الثالث أن الإنكار إنما هو لقوله : ربي أهانني لا لقوله ربي أكرمني فإن قوله ربي أكرمني اعتراف بنعمة الله ، وقوله : ربي أهانني شكاية من فعل الله (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) أي ضيقه وقرئ بتشديد الدال (٢) وتخفيفها بمعنى واحد وفي التشديد مبالغة وقيل معنى التشديد جعله على قدر معلوم.
(كَلَّا) زجر عما أنكر من قول الإنسان (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (٢) هذا ذمّ لما ذكر من الأعمال القبيحة ومعنى هذا الإضراب ببل ، كأنه أنكر على الإنسان ما تقدم ثم قال بل تفعلون ما هو شر من ذلك وهو ألا تكرموا اليتيم وما ذكر بعده ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم (*) ولا تحضون على طعام المسكين (٣) الحض على
__________________
(١). قوله : أكرمن ، وأهانن : قرأ نافع والبزي عن ابن كثير بإثبات الياء وصلا : أكرمني وأهانني وابن كثير في الوقف أيضا.
(٢). قرأ ابن عامر وحده بالتشديد : فقدّر.
(٣). الكلمات : تكرمون ، تحاضون ، تأكلون ، تحبون : قرأها أبو عمرو : يكرمون يحضّون ، يأكلون ، يحبون وقوله : تحاضّون قرأها عاصم وحمزة والكسائي : تحاضّون بالألف. وقرأ الباقون : تحضّون.
(*). الحديث : أورده في التيسير بلفظ : خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه. وعزاه للبخاري في الأدب المفرد عن عمر بسند ضعيف.