الكفار وإذايتهم له على اتباعك ، وقيل : جاء وليس معه من يقوده ، فكان يخشى أن يقع وهذا ضعيف (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تشتغل عنه بغيره من قولك : لهيت عن الشيء إذا تركته ، وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تأدّب بما أدبه الله في هذه السورة فلم يعرض بعدها عن فقير ولا تعرّض لغني ، وكذلك اتبعه فضلاء العلماء ، فكان الفقراء في مجلس سفيان الثوري كالأمراء ، وكان الأغنياء يتمنون أن يكونوا فقراء.
(كَلَّا) ردع عن معاودة ما وقع العتاب فيه (إِنَّها تَذْكِرَةٌ) فيه وجهان ، أحدهما : أن هذا الكلام المتقدّم تذكرة أو موعظة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والآخر أن القرآن تذكرة لجميع الناس ، فلا ينبغي أن يؤثر فيه أحد على أحد ، وهذا أرجح لأنه يناسبه : فمن شاء ذكره ، وما بعده ، وأنث الضمير في قوله : إنها تذكرة على معنى القصة أو الموعظة أو السورة أو القراءة ، وذكّرها في قوله : فمن شاء ذكره على معنى الوعظ أو الذكرى والقرآن (فِي صُحُفٍ) صفة لتذكرة أي ثابتة في صحف ، وهي الصحف المنسوخة من اللوح المحفوظ وقيل : هي مصاحف المسلمين (مَرْفُوعَةٍ) إن كانت الصحف المصاحف فمعناه مرفوعة المقدار ، وإن كانت صحف الملائكة فمعناه كذلك ، أو مرفوعة في السماء ومطهرة أي منزهة عن أيدي الشياطين (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) هي الملائكة ، والسفرة جمع سافر وهو الكاتب ؛ لأنهم يكتبون القرآن ، وقيل : لأنهم سفراء بين الله وبين عبيده ، وقيل : يعني القرّاء من الناس. والأول أرجح. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة (١) أي أنه يعمل مثل عملهم في كتابة القرآن وتلاوته ، أو له من الأجر على القرآن مثل أجورهم.
(قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء عليه على ما جرت به عادة العرب من الدعاء بهذا اللفظ ، ومعناه تقبيح حاله ، وأنه ممن يستحق أن يقال له ذلك ، وقيل : معناه لعن وهذا بعيد (ما أَكْفَرَهُ) تعجيب من شدّة كفره ، مع أنه كان يجب عليه خلاف ذلك (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) توقيف [سؤال] وتقرير ثم أجاب عنه بقوله (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) يعني المني ومقصد الكلام تحقير الإنسان ومعناه أنه يجب عليه أن يعظم الرب الذي خلقه (فَقَدَّرَهُ) أي هيأه لما يصلح له ومنه : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان : ٢] ، وقيل : معناه جعله على مقدار معلوم في إعطائه وأجله ورزقه وغير ذلك (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) نصب السبيل بفعل مضمر فسره يسره ، وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها : يسر سبيل خروجه من بطن أمه والآخر أنه سبيل الخير والشر لقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان : ٣] ، الثالث سبيل النظر السديد المؤدي إلى الإيمان ، والأول أرجح لعطفه على قوله : من نطفة خلقه فقدره
__________________
(١). الحديث رواه أحمد عن عائشة في ج ٦ ص ٢٣٩.