الجنيد : سمى خلقه عظيما ، لأنه لم تكن له همة سوى الله عزوجل (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) قيل : إن المفتون هنا بمعنى المجنون ، ويحتمل غير ذلك من معاني الفتنة ، والخطاب في قوله : فستبصر للنبي صلىاللهعليهوسلم وفي قوله ويبصرون لكفار قريش ، واختلف في الباء التي في قوله بأيكم على أربعة أقوال : الأول أنها زائدة ، الثاني أنها غير زائدة والمعنى بأيكم الفتنة فأوقع المفتون موقع الفتنة كقولهم : ماله معقول أي عقل ، الثالث أن الباء بمعنى في والمعنى في أي فريق منكم المفتون واستحسن ابن عطية هذا ، الرابع أن المعنى بأيكم فتنة المفتون ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) المداهنة هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي ، وروي أن الكفار قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك ، فنزلت الآية ولم ينتصب فيدهنون في جواب التمني ؛ بل رفعه بالعطف على تدهن قاله ابن عطية ، وقال الزمخشري : هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فهم يدهنون (حَلَّافٍ) كثير الحلف في الحق والباطل (مَهِينٍ) هو الضعيف الرأي والعقل قال ابن عطية : هو من مهن إذا ضعف ، فالميم فاء الفعل ، وقال الزمخشري : هو من المهانة وهي الذلة والحقارة وقال ابن عباس : المهين الكذاب (هَمَّازٍ) هو الذي يعيب الناس (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) أي كثير المشي بالنميمة ، يقال : نميم ونميمة بمعنى واحد ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا يدخل الجنة نمام (١) (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي شحيح ، لأن الخير هنا هو المال. وقيل : معناه مناع من الخير ، أي يمنع الناس من الإسلام ، والعمل الصالح (مُعْتَدٍ) هو من العدوان وهو الظلم (أَثِيمٍ) من الإثم وهو ارتكاب المحرمات (عُتُلٍ) أي غليظ الجسم ، قاسي القلب بعيد الفهم ، كثير الجهل (زَنِيمٍ) أي ولد زنا ؛ وقيل : هو الذي في عنقه زنمة كزنمة الشاة التي تعلق في حلقها ، وقيل : معناه مريب قبيح الأفعال. وقيل : ظلوم ، وقيل : لئيم وقوله : بعد ذلك أي بعد ما ذكرنا من عيوبه ، فهذا الترتيب في الوصف لا في الزمان ، واختلف في الموصوف بهذه الأوصاف الذميمة ، فقيل : لم يقصد بها شخص معين ، بل كل من اتصف بها ، وقيل : المقصود بها الوليد بن المغيرة ، لأنه وصفه بأنه ذو مال وبنين ، وكذلك كان ، وقيل : أبو جهل وقيل : الأخنس بن شريق ، ويؤيد هذا أنه كانت له زنمة في عنقه ، قال ابن عباس : عرفناه بزنمته وكان لقيطا من ثقيف ، ويعدّ في بني زهرة ، فيصح وصفه بزنيم على القولين ، وقيل : الأسود بن عبد يغوث (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) في موضع مفعول من أجله يتعلق بقوله : لا تطع أي لا تطعه بسبب كثرة ماله وبنيه ، ويجوز أن
__________________
(١). رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن حذيفة وفي رواية (قتات).