(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) عبارة عن شدّة خوفهم من المسلمين ، وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحا ظنوا أن النبي صلىاللهعليهوسلم يأمر بقتلهم (قاتَلَهُمُ اللهُ) الدعاء عليهم يتضمن ذمّهم وتقبيح أحوالهم (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الإيمان مع ظهوره.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) (١) أي أمالوها إعراضا واستكبارا. وقصص هذه الآية وما بعدها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج في غزوة بني المصطلق ، فبلغ الناس إلى ماء ازدحموا عليه ، فكان ممن ازدحم عليه جهجاه بن سعيد أجير لعمر بن الخطاب وسنان الجهني حليف لعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، فلطم الجهجاه سنانا ، فغضب سنان ودعا بالأنصار ودعا جهجاه بالمهاجرين ، فقال عبد الله بن أبيّ : والله ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين إلا كما قال الأول : سمّن كلبك يأكلك. ثم قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني : بالأعز نفسه وأتباعه ، ويعني بالأذل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه ، ثم قال لقومه : إنما يقيم هؤلاء المهاجرون بالمدينة بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم ، ولو قطعتم ذلك عنهم لفرّوا عن مدينتكم. فسمعه زيد بن أرقم فأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول. فحلف أنه ما قال من ذلك شيئا. وكذّب زيدا فنزلت السورة عند ذلك. فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى زيد ، وقال : لقد صدّقك الله يا زيد ، فخزي عبد الله بن أبي بن سلول ومقته الناس ، فقيل له : امض إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي وقال : أمرتموني بالإسلام فأسلمت ، وأمرتموني بأداء زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني أن أسجد لمحمد. ثم مات عبد الله بن أبيّ بعد ذلك بقليل. وأسندت هذه الأقوال التي قالها عبد لله بن أبيّ إلى ضمير الجماعة ، لأنه كان له أتباع من المنافقين يوافقونه عليها.
(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) روي أنه لما نزلت (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لأزيدن على السبعين. فلما فعل عبد لله بن أبيّ وأصحابه ما فعلوا شدّد الله عليهم في هذه
__________________
(١). لوّوا : قرأها بالتشديد عامة القراء وقرأ نافع لووا بدون تشديد.