فهم أهل النار (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) هذا ابتداء خبر فيه معنى التعظيم ، كقولك : زيد ما زيد ، والميمنة يحتمل أن تكون مشتقة من اليمن وهو ضد الشؤم ، وتكون المشأمة به مشتقة من الشؤم أو تكون الميمنة من ناحية اليمين والمشأمة من ناحية الشمال ، واليد الشؤمى هي الشمال ، وذلك لأن العرب تجعل الخير من اليمين ، والشر من الشمال ، أو لأن أهل الجنة يحملون إلى جهة اليمين ، وأهل النار يحملون إلى جهة الشمال ، أو يكون من أخذ الكتاب باليمين أو الشمال (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الأول مبتدأ والثاني خبره على وجه التعظيم كقولك : أنت أنت أو على معنى أن السابقين إلى طاعة الله هم السابقون إلى الجنة ، وقيل : إن السابقون الثاني صفة للأول أو تأكيد ، والخبر أولئك المقربون ، والأرجح أن يكون الثاني خبر الأول لأنه في مقابلة قوله : أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ، وعلى هذا يوقف على السابقون الثاني ويبتدئ بما بعده.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) الثلة الجماعة من الناس ، فالمعنى أن السابقين من الأولين أكثر من السابقين من الآخرين ، والأولون هم أول هذه الأمة والآخرون المتأخرون من هذه الأمة ، والدليل على ذلك ما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال الفرقتان في أمتي ، وذلك لأن صدر هذه الأمة خير ممن بعدهم فكثر السابقون من السلف الصالح ، وقلوا بعد ذلك ويشهد لذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم (١) وقيل إن الفرقتين في أمة كل نبيّ ، فالسابقون في كل أمة يكثرون في أولها ويقلون في آخرها ، وقيل : إن الأولين هم من كان قبل هذه الأمة ، والآخرين هم هذه الأمة ، فيقتضي هذا أن السابقين من الأمم المتقدمة أكثر من السابقين من هذه الأمة وهذا بعيد ، وقيل إن السابقين يراد بهم الأنبياء ، لأنهم كانوا في أول الزمان أكثر مما كانوا في آخره (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) السرر جمع سرير والموضونة المنسوجة وقيل المشبكة بالدر والياقوت ، وقيل معناه متواصلة قد أدنى بعضها من بعض (مُتَقابِلِينَ) أي وجوه بعضهم إلى بعض (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) الولدان صغار الخدم ، والمخلدون الذين لا يموتون ، وقيل المقرطون بالخلدات وهي ضرب من الاقراط ، والأول أظهر (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) الأكواب جمع كوب ، وهو الإناء وهو الذي لا أذن له ولا خرطوم يمسك به ، والأباريق جمع إبريق وهو الإناء الذي له خرطوم أو أذن يمسك (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) ذكر في الصافات [٤٥] (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) أي
__________________
(١). أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي الناس خير قال : «قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» ج ٢ ص ١٨٦٣ ، وثمة روايات بألفاظ متقاربة.