(إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي كريم على الله ، وقيل منيع من الشيطان (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) أي ليس فيما تقدمه ما يبطله ، ولا يأتي بعده ما يبطله والمراد على الجملة أنه لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) في معناه قولان : أحدهما : ما يقول الله لك من الوحي والشرائع ، إلا مثل ما قال للرسل من قبلك ، والآخر : ما يقول لك الكفار من التكذيب والأذى إلا مثل ما قالت الأمم المتقدمون لرسلهم ، فالمراد على هذا تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم بالتأسي ، والمراد على القول الأوّل أنه عليه الصلاة والسلام أتى بما جاءت به الرسل فلا تنكر رسالته (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) يحتمل أن يكون مستأنفا ، أو يكون هو المقول في الآية المتقدمة ، وذلك على القول الأوّل ، وأما على القول الثاني فهو مستأنف منقطع مما قبله.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) الأعجمي الذي لا يفصح ، ولا يبين كلامه سواء كان من العرب أو من العجم ، والعجمي الذي ليس من العرب فصيحا كان أو غير فصيح ، ونزلت الآية بسبب طعن قريش في القرآن ، فالمعنى أنه لو كان أعجميا لطعنوا فيه وقالوا : هلا كان مبينا فظهر أنهم يطعنون فيه على أي وجه كان (أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) (١) هذا من تمام كلامهم ، والهمزة للإنكار ، والمعنى : أنه لو كان القرآن أعجميا لقالوا قرآن أعجمي ، ورسول عربي ، أو مرسل إليه عربي ، وقيل : إنما طعنوا فيه لما فيه من الكلمات العجمية ، كسجين وإستبرق ، فقالوا أقرآن أعجمي وعربي ، أي مختلط من كلام العرب والعجم ، وهذا يجري على قراءة أعجمي بفتح العين (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) عبارة عن إعراضهم عن القرآن ، فكأنهم صم لا يسمعون وكذلك (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) عبارة عن قلة فهمهم له (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فيه قولان : أحدهما عبارة عن قلة فهمهم فشبههم بمن ينادى من مكان بعيد فهو لا يسمع الصوت ولا يفقه ما يقال ، والثاني أنه حقيقة في يوم القيامة أي ينادون من مكان بعيد ليسمعوا أهل الموقف توبيخهم ، والأوّل أليق بالكنايات التي قبلها (كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) يعني القدر (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي علم زمان وقوعها ، فإذا سئل أحد عن ذلك قال : الله هو الذي يعلمها (مِنْ أَكْمامِها) جمع كم بكسر الكاف وهو غلاف الثمرة قبل ظهورها.
__________________
(١). قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : أأعجمي : بهمزتين وقرأ الباقون : آعجمي بالهمز والمدّ.