المحفوظ فإن قيل : إن التعمير والنقص لا يجتمعان لشخص واحد فيكف أعاد الضمير في قوله : ولا ينقص من عمره على الشخص المعمر؟ فالجواب من ثلاثة أوجه الأول وهو الصحيح أن المعنى ما يعمر من أحد ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ، فوضع من معمر موضع من أحد ، وليس المراد شخصا واحدا ، وإنما ذلك كقولك لا يعاقب الله عبدا ولا يثيبه إلا بحق ، والثاني أن المعنى لا يزاد في عمر إنسان ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ، وذلك أن يكتب في اللوح المحفوظ أن فلانا إن تصدق فعمره ستون سنة وإن لم يتصدق فعمره أربعون ، وهذا ظاهر قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : صلة الرحم تزيد في العمر ، إلا أن ذلك مذهب المعتزلة القائلين بالأجلين وليس مذهب الأشعرية ، وقد قال كعب حين طعن عمر : لو دعا الله لزاد في أجله ، فأنكر الناس عليه فاحتج بهذه الآية. والثالث أن التعمير هو كتب ما يستقبل من العمر والنقص هو : كتب ما مضى منه في اللوح المحفوظ وذلك حق كل شخص.
(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) قد فسرنا البحرين الفرات والأجاج في [الفرقان : ٥٣] وسائغ في [النحل : ٦٦] ، والقصد بالآية التنبيه على قدرة الله ووحدانيته وإنعامه على عباده ، وقال الزمخشري : إن المعنى أن الله ضرب للبحرين الملح والعذب مثلين للمؤمن والكافر وهذا بعيد (لَحْماً طَرِيًّا) يعني الحوت [السمك] (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) يعني الجوهر والمرجان ، فإن قيل : إن الحلية لا تخرج إلا من البحر الملح دون العذب ، فكيف قال : ومن كل أي من كل واحد منهما؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول أن ذلك تجوّز في العبارة كما قال : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام : ١٣] والرسل إنما هي من الإنس. الثاني أن المرجان إنما يوجد في البحر الملح حيث تنصب أنهار الماء العذب ، أو ينزل المطر فلما كانت الأنهار والمطر وهي البحر العذب تنصب في البحر الملح كان الإخراج منهما جميعا. الثالث زعم قوم أنه يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح والعذب ، وهذا قول يبطله الحس أي الواقع (مَواخِرَ) ذكر في [النحل : ١٤] (يُولِجُ) ذكر في [لقمان : ٢٩] (قِطْمِيرٍ) هو القشر الرقيق الأبيض الذي على نوى التمر ، والمعنى أن الأصنام لا يملكون أقل الأشياء فكيف أكثرها (يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) أي بإشراككم ، فالمصدر مضاف للفاعل ، وكفر الأصنام بالشرك يحتمل أن يكون بكلام يخلقه الله عندها ، أو بقرينة الحال (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل مخبر عالم به ، يعني نفسه تعالى في إخباره أن الأصنام يكفرون يوم القيامة بمن عبدهم.