وأما رجوع الزوج والسيد والوالد عن الإذن لزوجته ومملوكه وولده بالحج بعد تلبسهم بالإحرام ، فإنه لا أثر له ، لوجوب إتمام النسك بعد التلبس بالإحرام ، ومن المعلوم أن طاعة الثلاثة إنما تجب فيما لا يزاحم حقوق الله سبحانه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
هذا ، مضافا إلى أن تأثير الإذن وعدمه مشروط بقابلية المحل ، وبعد وجوب الإتمام لا يكون المحل قابلا.
إن قلت : لما ذا لا يكون الرجوع تصرفا في الموضوع ..
قلت : يتضح الجواب مما قلناه آنفا من أن الموضوع غير قابل للتصرف ، فإن المولى والزوج والوالد ليس لهم التصرف في الإحرام الملزم بالإتمام ورجوعهم عن الإذن لهم تصرف فيه واضح.
ثم أن الزوج أو السيد لو أذن لزوجته في الصلاة أو لعبده ، ثم بعد تلبسهم فيها بتكبيرة الإحرام احتاجهما لأمر يجب عليهما إطاعته فيه ، فأمرهما بالقطع ، لم يجز لهما الإبطال وإن رجع في الإذن ، لأنه من جملة معصية الخالق في طاعة المخلوق.
وأما رجوع صاحب الأرض التي أذن لغيره في زرعها فزرعها ، فإن الحكم فيها يبتني على أن صاحب الأرض هل هو مسلط على الرجوع في إذنه. لقاعدة السلطنة ، أو لا لكون رجوعه مضرا بصاحب الزرع ، فتكون قاعدة السلطنة محكومة لحديث نفي الضرر ، وربما يرجح الأول بأمرين : أولهما إن جريان الحديث يستوجب الضرر على صاحب الأرض لأن منعه من الرجوع الذي هو عمل بقاعدة السلطنة يمنعه من الاستفادة من أرضه وذلك ضرر عليه واضح ، ونفي الضرر الذي يتولد منه ضرر ليس مشمولا لحديث نفي الضرر لوروده مورد المنة ، ثانيهما : أن المأذون إذا أقدم على ذلك عالما بجواز رجوع المعير يكون الضرر مسببا عن اقدامه لا عن حكم الشارع بجواز الرجوع في العارية.
والتحقيق : إن الإذن بالزرع والإقدام عليه يتصور على أنحاء ؛ لأنهما مرة يكونان عالمين وأخرى غافلين ، وثالثة يكون صاحبه عالما والآخر جاهلا ورابعا بالعكس.