من علمهم أنهم على باطل ، وأن الرسل على الحق ، فعاينوا ذلك عيانا ، بعد أن كانوا يكتمونه ويخفونه. فلو ردوا لما سمحت نفوسهم بالإيمان ، ولعادوا إلى الكفر والتكذيب. فإنهم لم يتمنوا الإيمان لعلمهم يومئذ أنه هو الحق ، وأن الشرك باطل. وإنما تمنوه لما عاينوا العذاب الذي لا طاقة لهم باحتماله. وهذا كمن كان يخفي محبة شخص ومعاشرته ، وهو يعلم أن حبه باطل ، وأن الرشد في عدوله عنه. فيقال له : إن اطلع عليك وليه عاقبك ، وهو يعلم ذلك ويكابر ، ويقول : بل محبته ومعاشرته هي الصواب ، فلما أخذه وليه ليعاقبه على ذلك وتيقن العقوبة ، تمنى أن يعفى من العقوبة وأنه لا يجتمع به بعد ذلك وفي قلبه من محبته والحرص على معاشرته ما يحمله على المعاودة بعد معاينة العقوبة ، بل بعد أن مسته العقوبة وأنهكته. فظهر له عند العقوبة ما كان يخفي من معرفته بخطئه ، وصواب ما نهاه عنه. ولو رد لعاد لما نهى منه.
وتأمل مطابقة الإضراب لهذا المعنى ، وهو نفي قولهم : إنا لو رددنا لآمنا وصدقنا. لأنه ظهر لنا الآن أن ما قاله الرسل هو الحق ، أي ليس كذلك ، بل كنتم تعلمون ذلك وتعرفونه ، وكنتم تخفونه ، فلم يظهر لكم شيء جديد لتكونوا عالمين به لتعذروا ، بل ظهر لكم ما كان معلوما ، وكنتم تتواصون بإخفائه وكتمانه. والله أعلم.
وأما تقليب الأفئدة فقال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
هذا عطف على قوله : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) أي نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون.
واختلف في قوله : (كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فقال كثير من المفسرين : المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة قال ابن عباس في رواية عطاء عنه : ونقلب