قول الله تعالى ذكره : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (٣))
تأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال ، والنعمة التي أسبغها عليهم بالتمام إيذانا في الدين بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل ، ولا شيء خارجا عن الحكمة بوجه ، بل هو الكامل في حسنه وجلالته ووصف النعمة بالتمام إيذانا بدوامها واتصالها ، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها بل يتمها لهم بالدوام في هذا الدار وفي دار القرار.
وتأمل حسن اقتران التمام بالنعمة وحسن اقتران الكمال بالدين ، وإضافة الدين إليهم ، إذ هم القائمون به المقيمون له. وأضاف النعمة إليه إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم ، فهي نعمة حقا ، وهم قابلوها.
وأتى في الكمال باللام المؤذنة بالاختصاص ، وأنه شيء خصوا به دون الأمم.
وفي إتمام النعمة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة فجاء «أتممت» في مقابلة (أَكْمَلْتُ) و «عليكم» في مقابلة (لَكُمْ) و «نعمتي» في مقابلة (دِينِكُمْ) وأكد ذلك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله ٥ : ٣ (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
وأما عدم مشيئته سبحانه وإرادته ، فكما قال تعالى : ٥ : ٤١ (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) وقال (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) وعدم مشيئته للشيء مستلزم لعدم وجوده ، كما أن مشيئته تستلزم وجوده. فما شاء الله وجب وجوده ، وما لم يشأ امتنع وجوده وقد أخبر سبحانه أن العباد لا يشاءون إلا بعد مشيئته ، ولا يفعلون شيئا إلا بعد مشيئته فقال (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقال (وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
فإن قيل : فهل يكون الفعل مقدورا للعبد في حال عدم مشيئة الله له أن يفعله؟.