وهذا نظم بديع ،
وفقه دقيق.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤))
قال قتادة : كانت
مريم ابنة إمامهم وسيدهم. فتشاحّ عليها بنو إسرائيل. فاقترعوا عليها بسهامهم ،
أيهم يكفلها. فقرع زكريا ، وكان زوج أختها ، فضمها إليه. ونحوه عن مجاهد.
وقال ابن عباس :
لما وضعت مريم في المسجد اقترع عليها أهل المصلى ، وهم يكتبون الوحي فاقترعوا
بأقلامهم أيهم يكفلها وهذا متفق عليه بين أهل التفسير.
قول الله تعالى ذكره : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي
إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥))
تضمنت هذه الآيات
بيان كذبهم صريحا في إبطال النسخ. فإنه سبحانه وتعالى أخبر أن الطعام كله كان
حلالا لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة ، سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه.
ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم إسرائيل وملته ، وأن الذي كان لهم
حلالا إنما هو بإحلال الله تعالى له على لسان إسرائيل والأنبياء بعده ، إلى حين
تنزل التوراة. ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم التي كانت حلالا لبني
إسرائيل. وهذا محض النسخ.
وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) أي كانت حلالا لهم قبل نزول التوراة. وهم يعلمون ذلك ثم
قال تعالى : (قُلْ فَأْتُوا
بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها